«القدرات العسكرية العالية» لإيران، أكثر المحاور تكراراً في حديث الساسة والأكاديميين ومراكز التطرّف في طهران، وكثير منهم يبني افتراضات عن أثقال الدول العسكرية في المنطقة، مثلما يتخيل أيضاً قوة أسطورية، تملكها إيران وحدها، ولا تتوافر لبلد آخر في الإقليم، وبعضهم يهاجم تقارير دولية، قالت: إن الترسانة الإيرانية قديمة، وشككت في اختبارات التصنيع الحربي، وأنظمة الدفاع الجوي تحديداً.
يتجدد حديث القوة الآن في إيران، بعد انضمام الإمارات والسعودية إلى التحالف الدولي لأمن الملاحة وسلامة الممرات البحرية، تعبيراً عن استعصاء الفهم الإيراني على إدراك خطورة التلويح بالقوة، أولاً، وعلى عواقب تهديد المصالح الدولية ثانياً، ثم إنكار كلّ الاعتداء على ناقلات النفط وخطفها، وما إلى ذلك من قرصنة مكشوفة، عبر تأجير العصابات الخارجة على القانون.
التحالف يضم الإمارات والسعودية والولايات المتحدة والبحرين وبريطانيا وأستراليا، وقد تشكل أخيراً، لمواجهة الاعتداءات على السفن وناقلات النفط، ونطاق عملياته يطال مضيق هرمز، وباب المندب، وبحر عمان، والخليج العربي، والدول المشاركة تستهدف الدفاع عن مصالحها المباشرة في ممرات الملاحة الرئيسة، وفرض الأمن لمنع الميليشيات المستأجرة، ومن يدعمها من العبث بالاقتصاد العالمي.
على صلة، هناك استعراض متواصل في القوة، ومبالغة في حجم الأوراق التي بحوزة إيران، فمضيق هرمز الحيوي، أبرز ممرات الملاحة البحرية وشريان الطاقة في العالم، يسهم في نقل أكثر من 80% من صادرات النفط الخام إلى آسيا، ولا تستطيع طهران نفسها احتمال تكلفة غلقه في وجه الملاحة الدولية، والتهديد بذلك، لا يغفل العواقب العسكرية السريعة، وحسب، وإنما هشاشة الاقتصاد الإيراني نفسه، وقدرته على احتواء التصعيد العسكري، وهو يئن منذ سنوات، تحت وطأة ارتفاع أرقام الفقر، والبطالة، وغلاء المعيشة، التي عبر عنها الإيرانيون مرات عدة في احتجاجات واسعة.
من ناحية أخرى، قد يكون هذا التصعيد مفيداً لصالح اتضاح صورة إيران الحقيقية، وأدوارها المهيمنة في المنطقة، فالمجتمع الدولي بأسره لا يمكن أن يواصل موقفه المتحفظ تجاه اندفاعات إيران المستمرة إلى تخريب أمن منطقة استراتيجية ومهمة، وقد تدخلت سياسياً وعسكرياً في أربع دول عربية، واعتدت على سفن تجارية، عبر ميليشيات وقراصنة، وتزود الحوثي بالصواريخ التي تهدد المنشآت النفطية السعودية، كما أنها سعت إلى إعادة حروب الناقلات إلى مياه الخليج العربي.
من هنا، فالتحالف الدولي لأمن الملاحة، يحافظ على سلامة إمدادات الطاقة في العالم، ويحافظ على مصالح أعضائه، ويشكل ردعاً لإيران ووكلائها، ريثما نعرف أي مأزق جديد، ستضع إيران نفسها فيه في قادم الأيام.