قبل أعوام قليلة، بلغ الناتج المحلي التركي نحو 851 مليار دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي، واحتلت أنقرة المرتبة الـ13 في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية، ما دفع مستثمرين عرباً إلى هذه السوق القريبة المجاورة لأوروبا، بقطاعاتها الإنتاجية المتنوعة، خصوصاً في الزراعة والسياحة والعقار.
لكنّ العامين الأخيرين أظهرا مخاطر كثيرة لاندفاع المستثمرين عموماً نحو هذا البلد، مع تنامي النزعة العثمانية، بقيادة رجب طيب أردوغان، وإخفاقه في إقناع الأوروبيين بأنه مؤهل للجلوس معهم على طاولة اليورو، والأسوأ دعمه الحركات المتطرفة تمويلاً وتسليحاً، فضلاً عن مغامراته في القضية الكردية، والشأن السوري، وانتكاساته في أفريقيا، وإلى جانب ذلك أزمات اقتصادية سيئة، انعكست على الواقع المعيشي في تركيا.
سياسات أردوغان أدت إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد من 7.4% عام 2017 إلى 2.6% في 2018، بسبب تدهور الليرة، الذي أسفر بدوره عن بلوغ التضخم نسبة 20% تقريباً، والغريب أن أردوغان لم يتعامل مع الأزمة إلا باعتبارها «مؤامرة خارجية»، أقال على إثرها محافظ البنك المركزي، ولم ينتعش الاقتصاد، وتعرض المستثمرون إلى خسائر مباشرة وكبيرة، بعد تقلب سعر صرف الليرة، وأسعار الفائدة على الفوائد.
حسابات أردوغان السياسية جعلت من بلاده وجهة أقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية، بداية من دور أنقرة في الإقليم منذ «الربيع العربي»، وتقمصه دور عرّاب مشروع «الإسلام السياسي» في مصر وليبيا وسوريا، ضمن خطوات جعلته يستعدي الحكومات التي تشكلت بعد اضطرابات «الربيع العربي»، وينقلب على منطق «صفر مشاكل» الذي صاغه وزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو، ليكون مثيراً للتوترات في الإقليم، إذْ أصبحت تركيا حاضنة لفلول «الإخوان» الفارين من مصر، وبوابة لعبور «داعش» نحو الأراضي السورية، والتقارب مع إيران، ودعم ميليشيات طرابلس في ليبيا عسكرياً.
وإذا كان العرب يشكلون نسبة لافتة من إجمالي المستثمرين الأجانب في سوق العقار التركي، فهل يستمرون في هذه السوق، رغم كل ما تشهده من توترات وتراجع اقتصادي؟ إن اختلال سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وحده، يرفع نسب التضخم، ثم أسعار مدخلات الإنتاج في قطاع الإنشاءات، وهذه الزيادة تنعكس على المستثمرين العقاريين. وضمن هذا الإطار تراجع عدد المباني الجديدة في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 42.5%، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018، وفقاً لبيانات معهد الإحصاء التركي.
أيضاً، هناك شكاوى، تحدث عنها مستثمرون مثل التعرض للاحتيال بعقود هلامية أو غير واضحة، إضافة إلى طول وقت إجراءات التقاضي، ما يجعل الوثوق في الاستثمار داخل تركيا صعباً، بل إن الأجدى هو التفكير في ملاذات استثمارية بديلة في المنطقة.