الناس يخافون من الحب لأنه يكلفهم كثيراً، ويوقع عليهم أعباءً لا يحتملون حملها. فأنْ يحب الإنسان، فعليه أن يفتح النوافذ، ويطل على العالم بقلب مزدهر بالحياة. وأن يحب الإنسان فعليه أن يتحرر من أنانيته، ويذهب إلى الآخر من دون أورام ومن دون رواسب، ومن دون شك، ومن دون تردد، ومن دون الالتفات إلى الوراء. الناس يخافون من الحب، لأن في الحب تضحية من أجل استمرار الحب، الناس يخافون من الحب، لأن الحب يجعلك صافياً، وهم تعودوا على البحث عن الأشياء الثمينة من بين النفايات. الناس يخافون الحب، لأنه يجعلهم مستسلمين لكينونتهم، ويجاهر ليلاً ونهاراً بأنه ضد الأنا، وضد القوقعة، ومع الحلزون. سوف يقول لك شخص ما إنني أحب فلانا، ولكنه لا يحبني، إنه يكرهني، فلا تصدق حديثه، لأن هذا الشخص كذاب وأناني يريد أن يضع شروطاً للحب، ويريد أن يحبه الآخر، من دون أن يحرك ساكناً تجاهه. الأنانيون يخشون الحب، كما تخشى الخفافيش النهار. إنهم سريون إلى درجة الانغلاق، متوارون إلى درجة البطانية، وهنا مربط الفرس، هؤلاء يخافون الحب لأنه يفصح عن الأنا، والأنا لديهم تعاني من قبح مزمن وتشوهات مسيئة ومذلة، الأمر الذي يجعلهم يخبئون رؤوسهم تحت رمال الخوف، يتقهقرون وينزوون ويجلسون خلف أقمشة سميكة تحجب عنهم أعين الناس، وتمنع عنهم الاقتراب، ويظلون هكذا ينعون الحظ، ويلقون باللائمة على الآخر، لأنه لا يحبهم، ونقول شكراً لفرويد الذي نبه العالم حول الإسقاط، وهو إحدى الحيل الدفاعية التي ينتحلها الأفراد عندما يعجزون عن مواجهة الواقع، والذين يخافون من الحب يلجأون إلى الإسقاط كذريعة دفاعية تلقي عنهم تهمة خيانة الضمير. فلو جاءك شخص وقال لك: الناس يكرهونني، ولا أحد يحبني أو يتقبلني، وكلما ذهبت إلى مكان، لا أجد غير الصدود، فلا تصدقه أبداً، بل يجب أن تعلم أن هذا الشخص، يحاول تبرير عيبه، باستعابة الآخرين، وكما يقول الشاعر نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا....... وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا فالإنسان أكبر كذاب على وجه الأرض، وأكبر محتال، ولديه من أساليب الخداع ما يجعله يراوغ ويناور ويغامر ويقامر ويلون الأشياء حسب ما يريد وكيف ما يهوى. هذه القدرات الفائقة التي يتمتع بها الإنسان، كثيراً ما ترتد ضده، ويصبح هو المهزوم، وهو المكلوم لأنه في حالة الكذب، فإن الإنسان لا يعالج علة، بل يسكنها، وتظل كامنة وتنمو في الخفاء إلى أن تصبح داء عضالاً لا شفاء منه، كل هذا يحدث، لأن الإنسان يخشى الحب، فيصبح كارهاً بامتياز ومدمراً لذاته وللآخر.