الواقعة التي كُشف عنها مؤخراً والمتعلقة باستيلاء مدير إحدى الشركات شبه الحكومية على مبالغ تتجاوز السبعة ملايين درهم من صندوق مكافآت نهاية الخدمة للعاملين في الشركة تمثل إحدى الصور الصارخة لاستغلال المنصب من أجل منافع شخصية والتربح من وراء ذلك.
وكانت الواقعة التي تحقق فيها النيابة العامة في دبي، وبحسب ما نشر في وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل قد شهدت استخدام الرجل لتلك الأموال لشراء فيلا وتسجيلها باسمه، ورفع بدل التعليم الذي تمنحه له الشركة من 200 ألف درهم إلى300 ألف درهم.
كما تمادى في استغلال منصبه بتخصيص ثلاث مركبات مع السائق لتنقلاته وأفراد عائلته، وسهل لشخص مقرب منه الاستيلاء على مبلغ يصل إلى 183 ألف درهم بطريقة غير قانونية.
وقائع وقضايا تطل برأسها بين فترة وأخرى، وتمثل صورة من صور الفساد الإداري والمالي الذي تتصدى له الدولة بكل قوة وحزم وصرامة، الأمر الذي وضعها في صدارة المؤشرات الدولية الخاصة بالشفافية وتدني الفساد.
في مثل هذه الوقائع والقضايا تكون أساس المشكلة في مرتكبها ومن يتواطؤون معه في ظل غياب الضمير والوازع الديني والأخلاقي. ولكن يظل التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً حول دور التدقيق الداخلي والأجهزة الرقابية المسؤولة عن مراقبة صرف المال العام سواء كان اتحادياً أم محلياً. كما أن بعض تلك الجهات وبالأخص الشركات والمؤسسات شبه الحكومية تمنح كبار المسؤولين صلاحيات واسعة تتيح وجود ثغرات تطل عبرها بعض التجاوزات المالية والإدارية. ونسمع بين فترة وأخرى كذلك عن اعتماد الحساب الختامي لبعض تلك الجهات بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انتهاء العام المالي الخاص بها. وهو بلا شك أمر غير صحي.
يستغرب المرء في حماس أقسام التدقيق وهي تحاسب موظفاً صغيراً ضمن إجراءات تدقيق عهدته، بينما تمر أمامها تجاوزات كبيرة ويتأخر رصدها لأن موظفاً كبيراً وفي درجة رفيعة يقف وراءها.
أجهزة الرقابة والتدقيق لدينا بحاجة لتبني آليات جديدة، وأن تكون لها كلمتها في ممارسات كثيرة ومن بينها الامتيازات المُبالغ فيها لبعض كبار المديرين والموظفين، مثل قضية بدل التعليم لصاحب الواقعة، والذي رفعه من 200 ألف درهم إلى 300 ألف درهم. أي تعليم هذا الذي يصل بدله لهذا المبلغ الضخم سوى أنه استغلال فج وتجرؤ على المال العام، بينما نحاسب الموظف الصغير لأن لديه أكثر من ثلاثة أبناء!