قد تكون قضية صغيرة تفجّر مواضيع كبيرة، وتفتح نوافذ متعددة ومهمة لأناس كانوا يريدون أن يسمعوا صوتهم للمسؤولين، فيزايد مذيع يفترض أن تكون مهمته أن يوصل تلك الأصوات من خلال أدوات التعبير المتاحة كشاهد ومراقب، والتي هو جزء منها، لا أن يحاول أن يقزم مشكلة المواطن، مدافعاً عن الأجهزة الرسمية، وأنها لم تقصر في حق أحد، وأن الوقت كما يراه المذيع غير مناسب لمثل هذه القضايا الصغيرة في ظل قضايا أخرى كبرى ومصيرية تواجه الوطن، وهنا مقتل أي إعلامي حين يضع نفسه مكان القاضي، ومكان المسؤول، ويعبر عنهما، لا كما ينظر القاضي للقضية من مختلف الزوايا، ولا كما يريد المسؤول، ويخالف توجهات الأجهزة الرسمية، وهذه حقيقة على القائمين على الإعلام التقليدي الانتباه لها، وخصوصاً العاملين في برامج البث المباشر الذي سبب نجاحه واستمراره هو محاولة حل مشكلات المواطنين، ومن لحق به ضرر أو غبن نتيجة ممارسات خاطئة من موظفين أو أن هناك ثغرة ما، علينا التنبه لها، والتذكير بها، لتقوم القوانين بسد فرجتها، ومحاولة إصلاحها، وإيجاد بديل لها. هكذا تفاعلت قضية المواطن المزروعي، وكسبت الرهان هنا وسائط التواصل الاجتماعي، وكادت تسحب البساط من الإعلام التقليدي الذي تلاحق نفسه، وتفاعل مع القضية بحماس جديد نتيجة اهتمام المسؤولين وأصحاب القرار من أجل إنصاف هذا المواطن لتوصيل صوته، وحل مشكلاته، ومن شابهه في الوضع نفسه، كان يمكن لتلك القضية أن تمر، وكان يمكن للمواطن أن يسلك طريقاً آخر لتوصيل مشكلته أو يبقى مغبوناً، وكان يمكن للوضع الإعلامي التقليدي أن يستمر على منواله، لكن لأن حكومتنا الرشيدة هدفها الأساس المواطن ومن يقيم على هذه الأرض، جاءت حلول مختلفة وسريعة من مسؤولين يتصفون بالحكمة والرشد، والبصيرة الثاقبة في التعاطي مع الأمور صغرت أم كبرت، فجاء رد اعتبار لذلك المواطن من قبل أكبر المسؤولين، حيث دعي لحضور اجتماع مجلس الوزراء، وهذا بحد ذاته تكريم وتشريف، واهتمام بقضيته، ودرس للآخرين، كما أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بحل مشكلته خلال أربع وعشرين ساعة، واتخذ ولي عهد عجمان قراراً بوقف المذيع ليس طعناً في شخصه، ومهنيته، ولكن لأنه أخطأ في الطريقة والتناول والتعامل مع ضيف على وسيلة إعلامية، هدفها الرئيس المواطن وقضاياه المعيشية وأوضاعه الاجتماعية. لعل تلك القضية التي شغلت الرأي العام الأسبوع المنصرم نخرج منها بدروس منها؛ فن التعامل مع الآخر، وحث وسائل الإعلام الوطنية التقليدية على الاهتمام بمشكلات الإنسان الأساسية والعميقة، وأن لا تكون هذه الوسائل تابعة ومتتبعة للوسائط الاجتماعية الجديدة، وتلهث وراء ردود الفعل التي تحدثها، وأن تسايرها في السرعة، وفِي رجع الصدى، لأنها الأساس، ولأنها تحمل رسالة، وعليها مسؤوليات تجاه الوطن والمواطن قبل الآخرين.