«لا تحط البنك ديّانك»، قالها الأولون، دون أن تكون لهم تلك الخبرة في التعامل المالي المصرفي، لكنهم كانوا يعرفون شيئاً واحداً، من زمن الغوص، أن لا يجعلوا دفتر النوخذا ديّانهم، لأنه سيكون رادّي عليهم، ولا يحطوا «البري» ديانهم، كانوا يتعاملون بما تحت أيديهم، وما يضعونه تحت «الدجّة من روبّي»، لذلك أنصح الأبناء: «ترا الشواب يحطون ويخزنون ولا يقولون». تذكرت ذلك لأنه راعتني قضية أحد البنوك حين حاول أن ينصب على ورثة، ويلطم مال أبيهم، وهو المكان المؤتمن كما يفترض أن يكون، وتلزمه قوانين وأنظمة المصرف المركزي، كما يفترض أن تكون، هذا البنك كان يراهن على شيئين؛ جهل الورثة، وعدم قدرتهم وسعة صبرهم على سير المحاكم، ومتطلبات المحامين، وربما احتياجهم للمال، ورغبة الإسراع في تقسيم وتقاسم التركة، حينها يمكن للبنك أن يعمل تسوية، ويظهر بنصف التركة، خاصة وأنه لم يضرب فيها بـ«غصّين ولا كَبّ»، ستأتيه باردة مبردة، بالطبع لكي تتم سرقة مال الأيتام، لابد وأن يكون هناك محاسب من تلك البلاد التي تعرفونها، والتي نصف سكانها محاسبون في البنوك، وإداري من تلك البلاد التي يمكن أن تعطل الذي لا يتعطل، ومسؤول مصرفي مراب من تلك البلاد التي يعمل سكانها بصمت، وبجد وبأقل القليل، ويعرفون دهاليز البنوك، تضافرت جهود هؤلاء مع مترجم بائس، ورضي بالقليل ليخون الترجمة، وظهروا بتلك القصة: «والله أموال أبيكم خسرها البنك في عقارات في أميركا إبان الأزمة المالية، وإن حساباته بالدولار، والتي تتعدى المليون تبخرت في مضاربات عملها البنك في مشاريع تنموية، وبناء السدود في جبال الهندوكوش لم تؤت ثمارها، ولا الفائدة المرجوة منها، وهناك حساب بالدرهم خسره البنك في مشروع زراعة الزعفران وحب الهال في ناميبيا، ورغم نصيحة البنك، إلا أن الوالد كان مُصراً على زراعة الزعفران، لذا لم يتبق في حسابات أبيكم الشيء الكثير بعد حساب الضرائب والفائدة المتراكمة، والفوائد غير المنظورة، ومصاريف إدارية، وربما عليكم أن تدفعوا من جيوبكم، لكي لا تجعلوا أباكم مديوناً يوم القيامة، ويكون مرتاحاً في قبره». لم يصدق الورثة تلك القصة المصرفية التي ألفها الثلاثي المبتز، ورابعهم المترجم الخائن، ورفعوا قضية، واستمرت تسع سنوات من مراجعات، وسر وتعال، واستئناف من البنك، رغم تغير المدراء ثلاث مرات، وواحد من النصابين قَصّ، وآخر «فُنش» لدواع جمركية، لكن أخيراً.. وخلال الأسبوع المنصرم صدر الحكم النهائي، تعود للورثة كل أموالهم مع فوائدها بأثر رجعي، وتكفيل البنك بالمصاريف القضائية، وأشياء أخرى كهربائية لا أعرفها. الآن.. ثمة ضرر وإجحاف كبيران لحق بهؤلاء الورثة وتعطيل أعمالهم، غير الأضرار النفسية، وهذه قضية أخرى، وهناك شيء آخر مهم، ماذا سيفعل المصرف المركزي بحق هذا البنك الخائن للأمانة؟