طبعاً العرب ولا هم هنا أو هناك، ولا يدرون بموضوع اختراقات وسائط التواصل الاجتماعي، أو خروقها هي تجاه حسابات مستخدميها، وحتى لو عرفوا يبدو أن الموضوع لا يعمهم ولا يهمهم كجماعة، ولا مؤسسات وطنية تقف خلفهم لتجيب لهم حقهم المنتهك، وكأنهم ليسوا مواطنين لهم حريتهم وكرامتهم وخصوصيتهم الشخصية، فما داموا يتمتعون بتلك الخدمات واستعمالاتها المفيدة وغير المفيدة، فهم بخير، وما دامت هذه المنصات الاجتماعية فتحت لهم نوافذ للتعبير عن مكبوتاتهم الدينية والجنسية والسياسية، هذا الثالوث الذي يسيّر حياة المواطن العربي، وما دامت هذه المنصات تخصص للسباب والشتائم والدعوات الطائفية والمذهبية، وهي مفتوحة لأفراد غير مسؤولين ولا ملتزمين أخلاقياً، فهم في منأى عما يدور في العالم، ويحترم خصوصية وحريات الأفراد والمجتمعات، لكن الأمر يختلف مع المواطنين الأوروبيين الواعين، ومع البريطانيين والأميركيين المتمتعين بحريات كاملة، لذا تحركوا كأفراد مؤثرين في المجتمع، وأجبروا الجهات الرسمية على أن تتجاوب وتنصفهم، وترد لهم اعتبارهم، وحريتهم التي انتقصت، بفعل شركات تسعى للتجارة الممنوعة وتمس حقوق المواطنين فيها، لذا قامت قيامة أجهزتهم الرسمية، وفي مقدمتها المطالبات الجماعية الأهلية بخصوص هذه الخروقات التي أقدمت عليها شركة «فيسبوك» التي سمحت وتعاونت على خرق خصوصية 87 مليون مواطن في العالم دون رضاهم، ووفرت حساباتهم لأغراض غير معلومة، مخترقة اللوائح والقوانين التي تضبط عمل شركة التواصل الاجتماعي، من بينهم أكثر من مليوني مواطن أوروبي، وأكثر من مليون مواطن بريطاني، مع شركة «كامبيريدج اناليتيكا» البريطانية لتحليل المعلومات، والتي عرفت بقضية «كامبيريدج اناليتيكا»، والقضية تمس تصويت المواطن البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، ومساعدة حملة المرشح «دونالد ترامب» للوصول للبيت الأبيض، وتتضافر جهود الكثير من المؤسسات والأجهزة الحكومية في كل من بريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي، مثل، «الهيئة البريطانية لحماية خصوصية البيانات» و«مفوضية شؤون العدل الأوروبية»، و«لجنة التجارة الاتحادية الأميركية»، من أجل عمل تحقيقات واستقصاءات بهذا الخصوص، وأن مسألة خرق الخصوصية قد تطال مع «فيسبوك» ثلاثين موقعاً للتواصل الاجتماعي، وقد طلب من المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» «مارك زوكربيرج» المثول أمام البرلمان الأوروبي لشرح ما تم، وما هي الجهات المتورطة؟ ولأي أغراض؟ ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالمطالب اليوم تقضي بأن يتم بناء سواتر ودعامات لخصوصية المواطن وحريته، وفق قوانين ثابتة ومتقدمة، تواكب الثورة المعلوماتية، وهناك مطالبات بتعويضات مالية كبيرة للضرر الذي حدث بحق الأفراد، وهو أمر سيؤثر في سير عمل هذه الشركة، ومستقبلها المالي في أسواق الأسهم وانخفاضها وربما انهيارها، وهي فرصة سيقتنصها بلا شك المنافسون الجدد، ليحلّوا محل تلك الشركة شبه الاحتكارية، والتي لاحقتها قضايا ومتابعات قانونية سابقة، هنا فقط.. للتأمل والتفكر والتدبر، كيف يخلق المواطن الواعي الفرق دائماً.. وأبداً!