الاتكاء على قوة ثقافة التنوير، وتمكينها وترسيخها في نسيج المجتمع، أصبح من صلب عمل الحكومة في الإمارات. وهذا البعد الاستراتيجي غدى من الاتساع بحيث لم تعد الثقافة في يومياتنا تقتصر على الأنشطة التقليدية من ندوات وأمسيات هنا وهناك. بل تعدى ذلك إلى وضع البصمة العالمية في كل مناشطنا الكبيرة. جميع معارض الكتب لدينا أصبحت دولية، وتعتمد على معايير العالمية والشراكات الاستراتيجية. معارض ومتاحف الفنون أصبحت تحمل الصبغة نفسها. ونقيس عليها بقية المبادرات الضخمة التي تتبناها الإمارات في مهرجاناتها واحتفالاتها ومشاريعها الراعية للفنون والآداب. من بين هذه المبادرات اللافتة القمة الثقافية التي تقام في أبوظبي بعد يومين للسنة الثانية على التوالي. ومن يرقب تفاصيل هذه القمة، وطبيعة المتحدثين في محاورها الرئيسة، يدرك على الفور الرؤية التي تنظر بها الحكومة إلى الثقافة باعتبارها مكوناً شاملاً يتداخل ويتواشج مع القطاعات والشرائح كافة لكي تظل الثقافة تتسع، ويكبر مفهومها في وجدان العامة. ومفرحٌ حقاً أن نرى هذا القمة التي تحمل شعار (إمكانات بلا حدود)، وهي تضيف أبعاداً جديدة للثقافة، مثل البعد البيئي المهم والمحوري، وكذلك بعد العنف والتطرف، وكيف يمكن مواجهة هذا الفكر بالثقافة المتنورة المستمدة من فطرة الحب في الإنسان، ومن تراث البشرية التي ظلت تنبذ كل أشكال التعصب. وعندما يتم التركيز على (التنوير) كمحور جوهري في الثقافة، فان خطابيات الظلام تتراجع من تلقاء نفسها. هذه الخطابيات التي ترى في القصيدة المتطورة عدواً للغتها المنغلقة، وفي اللوحة الساحرة، نداً للجدار الذي تستند عليه، وفي التراث الإنساني سداً يمنعها من الانتشار والتغول على رؤى وأحلام الآخرين. أكثر من ذلك، أصبحت ثقافة التنوير في الإمارات مرتكزاً لجميع التوجهات نحو المستقبل والعالمية. وعندما تلتقي العقول والقلوب من كل الجهات الأرض هنا على أرض الإمارات، فان الخطاب الذي يرتفع يكون كونياً بامتياز. وتكون اللغة متجاوزة لأمراض من اعتقدوا أنهم يملكون الحقيقة لوحدهم. لا مكان لمثل هؤلاء في حلبة الحوار الحر والعالمي. ونحن، عندما ننحاز علناً إلى التنوير، وتبجيل الضوء، وإعلاء قيم المحبة، فإننا نستمد هذه القيم من الجانب الأبيض لتاريخنا. ننظر بحب لما بذره الأولون، ونسامح أخطاء الماضي، ونذهب بقلوب متفتحة ومتنورة لنضع أرجلنا على سلم الارتقاء الحضاري مع بقية الشعوب. وما من طريق إلى هذا السمو، إلا طريق التنوير.