على منصات كثيرة، وعبر أعوام طويلة، حضرنا أمسيات لشعراء كثر، قالوا قصيدة الحب، وقصيدة الوطن، وهموم عامة وشخصية، كل أبدع فيما قال، عبر فأوصل القصيدة إلى غاياتها. كلنا حضرنا مثل هذه الساحات الشعرية، حيث يتدفق الشعر ويشتعل الشاعر. تلقي القصيدة من الشاعر نفسه يختلف كثيراً عن قراءة الشعر، أو الاستماع إلى آلة تسجيل، أو شخص ينوب عن صاحب القصيدة، فمهما كان البديل مقتدراً، فإنه لن يصل بالتأكيد إلى روعة الشاعر وهو يلقي قصيدته.. الشعر سحر، والشاعر ساحر عندما ينطق من أعماق القلب.. عندها تشعر بالآهة والهمسة، خصوصاً إذا كانت قصيدة حب ووجع. توقفت عند قصيدة حزينة تحكي رحلة خاصة لشاعر، يتألم فيها ويبكي من الداخل ولكنه مؤمن بأن الحياة محطات ومراحل، وأن الزمن هكذا يفرحك دهراً، ويبكيك دهراً آخر! هذا الشاعر قرأت له رائعة قصيرة يبث فيها وجدانه: حدثيني يا عذبة الروح ماذا يفعل القلب كي يبث السرورا هل يحوك القصيد فيك ليغدو حول فوديك كالغلالة نورا وعلى المبسم الجميل فراشاً يرشف الطلَّ هائماً مخموراً تستمر القصيدة في سكب جميل حتى نهايتها: حدثيني ففي الحديث وصال قد يحيل الصحراء روضاً مطيراً إنه الشاعر شهاب غانم، البديع والمبدع في قصائده الإنسانية والعاطفية، ومثل هذه القصيدة تترك تأثيراً مباشراً في المتلقي، وقد استمعنا إلى قصيدة طويلة ألقاها في معرض باريس للكتاب، وفيها ينعى زوجته. كان الشاعر يلقي قصيدته وهو يعتصر ألماً وحزناً على فراق رفيقة دربه. قصيدة سرد فيها شيء من سيرة رحلته مع أم الأولاد، لدرجة أنه كاد أن يبكي. قلت للأخ الشاعر شهاب غانم بعد انتهاء الأمسية الشعرية: لقد عشنا الحزن معك، وتفاعلنا مع كل جملة وموقف، قال الشاعر: أنا بالفعل كنت أبكي ولا أدري إن ظهر ذلك للحضور أم إن البكاء كان في الجوف. عندما يعبّر الشاعر عن مكنون قلبه تأتي القصيدة صادقة، وفي باريس تجلل هذا الوجع النبيل، فكانت مشاركة فاعلة ومؤثرة من جميع الحاضرين، وتلك حالة نادرة.