عندما تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى سهام مسمومة، وقنوات ملغومة، ونفوس مكظومة، وعقول مجذومة، وقلوب مهضومة، وأرواح معدومة، فإنها تنحرف عن مسارها، وتتفرغ من محتواها، وتصبح كرحال خاوية من الماء العذب. عندما تنجرف وسيلة التواصل الاجتماعي إلى واد غير ذي زرع، فإنها تصبح موئلاً للأفاعي، والعقارب، فيؤمها الكره، ويضمها الحقد، فتتيه في ضياعها مثل ضباع جائعة، تهلك الضرع والزرع، وتبيد المعاني، وتطيح بجمال الحياة.
اليوم وقد بلغ الطوفان مبلغ الجرح العميق، ووصلت مشاعر بعض المغردين إلى مدارك سفلى، وتاهت وضاعت، وضيعت المرفأ، والمرساة، مفتتنة بالأضواء الكاشفة، مذهولة بالنجومية المتوهمة، مبهورة بالألوان الفاقعة، صار من المستحيل إيقاف هذا النزيف الكلامي من دون وضع المعايير التي تحدد مستوى المعقول واللامعقول في البوح، وسرد الحكاية.
يقول صموئيل بيكيت: «إذا كانت العربات الفارغة، أكثر ضجيجاً، فمن الضرورة أن يكون هناك قانون ما يحدد مستوى هذا الضجيج». الفوضى لا تصنع إلا الضجيج، وكلما علا الضجيج، ضاع العقل في المعمعة، وتاهت القلوب في الجعجعة، وانتهت القضايا الإنسانية إلى التسطيح، وسذاجة التناول، وغباء المعطى، ووقعت المجتمعات في خضم صدام العميان في شعاب متفرقة. ولكن علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا يغرق البعض في حوار الطرشان؟ لابد من سبب، والسبب هو الإحساس بعدم القدرة على تجاوز حدود النفس الأمّارة، هذه النفس التي جاءت من أتون عقدة دونية، أمسكت بتلابيب البعض، واستعبدت ضمائرهم، وغللتها بصور خرافية، مفادها أن كل من لا يستطيع مواجهة الواقع، بأدوات موضوعية، عليه أن يركب قارب وسائل التواصل الاجتماعي ليحقق مطالب ذات مهشمة من الداخل، وينعدم فيها الوعي الحقيقي، وتفتقد الأحلام الزاهية، فتلجأ إلى صور خيالية، وأدوات لغوية، أشبه بـ«السكراب»، مما يجعلها، تسير بمحركات لها ضجيج العربات الخربة، فتزعج، وهي تمزج بين الأكسجين، وثاني أكسيد الكربون.
وهكذا تستمر وسائل التواصل الاجتماعي تمخر عباب الوعي بأسلحة الدمار الشامل، وتنكب المجتمعات، بانهيارات أخلاقية، ومن دون وازع، ولا رادع قيمي، وفقط كل ما يدفعها هو عقد النقص الراسخة في الألباب.