الناشر العربي غالباً ليس بالضرورة ناشراً معنياً بأمر الكتب. هو سيطبعها، وستنتهي مهمته عند ذلك. توزيع، تسويق، دعاية؟ هذه ليست مهمته، على الكاتب أن يتولى هذه المسألة، ويُفضل لو يذهب الكاتب أيضاً إلى المخزن الذي تقبع فيه نسخ الكتاب ويأخذ الصناديق يحملها على ظهره ويوزعها كما لو كانت صناديق للخضراوات والفاكهة، الناشر العربي لا يهمه أن تصل كلمات كاتبه لمن يبحث عنها، يقول لنفسه بصوت يسمعه كل كاتب «وما دخلي أنا، هذا كتابك، أنا طبعته لك، اهتم أنت بالباقي» والكاتب في طبعه حييّ، خجول، يأنف من تقديم نفسه والدعاية لعمله، لكن الكثير من الكتاب العرب اضطروا أن يتخلوا عن خجل الكاتب الفطري وارتدوا معطف مندوب المبيعات ومدير التسويق ومسؤول الدعاية ليخرجوا كتابهم المسكين الذي ضمت صفحاته أرقهم وعصارة عقولهم ونبض قلوبهم من رطوبة المخزن المظلم إلى النور النابع من يد القارئ. وبالطبع على الكاتب العربي أن يسقط من حسبانه شيئاً اسمه «حقوق الكاتب» هذه مجرد تسميات دعائية، والنسبة المتفق عليها في العقد المبرم بينهما ما هي إلا نسبة وهمية تماماً مثل العقد بحد ذاته، مجرد شكليات لا تشكل أي فرق. لن يعرف الكاتب متى تنفد الطبعة الأولى ومتى يتم إصدار طبعة ثانية، ولن يعرف أساساً على وجه اليقين كم عدد النسخ في كل طبعة. الكاتب لا دخل له في مصير كتابه لدى الناشر، والناشر ليس معنياً بتوضيح أي شيء للكاتب. وهكذا في غموض وإحباط دائم يشعر الكاتب أن كتابه مهجور منبوذ لا قارئ له ولا معنى لإصداره في الأساس، ولولا التشبث بسبب جوهري للبقاء على قيد الحياة لتوقف الكتاب الحقيقيون عن الكتابة وتركوا المشهد لكل المهرجين الذين يحبهم الناشرون، أولئك النجوم في وسائل التواصل الاجتماعي لأن عدد متابعيهم بالآلاف والملايين، الذين تسلقوا إلى عالم الكتابة رغبة في الشهرة وكفى. الكاتب المشهور هو الذي يحبه الناشر العربي بغض النظر عما يكتب، لأنه وفر عليه عناء الاهتمام بالكتاب، ولا يهم إنْ كان عدد المتابعين للكاتب المشهور حقيقيين أو فقط مجرد عدد يتم شراؤه في صفقات منتشرة تبيع لك العدد الذي تريد من المتابعين بالتعليقات والإعجابات والمشاركات، ولو أردت أيضاً ترجمات لنصوصك العبقرية التي تهذر بها في الإنترنت المفتوح للغث والسمين. الناشر العربي لم يعد معنياً بالقيام بالدور التنويري الرائد الذي يصقل الذائقة وينهض بالمجتمع، أصبح مجرد بائع سلع، والسلعة الأفضل هي المطلوبة أكثر، أيا كانت. في لقاء للكتاب الشباب مع الناشرين والمسؤولين، يقف شاب صغير متحدثاً عن كتابه الجديد وهو عبارة عن تغريدات اعتباطية معرفاً بنفسه «أنا الأديب الفلاني، لدي عشرون مليون متابع في تويتر»، وتضج أكفّ الناشرين بالتصفيق.