حين يرحل صديق جميل، يتصف بالإنسانية والصداقة، ولم يكن يشعرك إلا بالتواضع، وهو معك يشعل الحياة ويؤنسها، وهو رفيق القلم وجليس ذاكرة التفاصيل يومية، وهو المنتمي للثقافة الرصينة، والمنتمي للفرح والابتسامة، وهو الملتذ بالسعادة والحلم، وتتأصل في وجوده العميق إشراقة الحياة اللامعة بقواعد اللغة العربية وسحرها، وهو المربي والصديق للطلبة والوفي لهم، وهو الأديب الشاعر المسترسل بالشعر وبقوافي الحكمة والأمل.. يضعك هذا الرحيل في مواجهة مع أسئلة الوجود. لم يكن الراحل أديب عزام مجرد أستاذ أو معلم، بل كان فيه الكثير من الانتماء المعرفي، يستفيض بالحروف العربية، ويزهر بالمعاني الجميلة، وأخذه ود الكتابة نحو المسرح المدرسي فأبدع في سياقه، وصاغ سيناريو بعض المسلسلات الدرامية، وعمل طوال حياته على نضجه الإبداعي والفكري، ورفع راية العلم: يتعلم ويعلم، وقال قصيدة قبيل أن يودع الحياة معنونة بمناجاة: الليل ما أرقني.. النفس فيه صابرة.. حلكته مهما علت... تمحوها حكمة طاهرة.. الوقت كم يمضي بها.. وسط السرير سائرة.. تطوف حول مجرة.. فيها النجوم الزاهرة.. الضيق ما مر بها والهم منه نافرة.. راضية مسلمة ومطمئنة شاكرة.. يا من أوجدتها ارفق بها في الآخرة... قصيدة ودع بها هذا الطائر الجميل الحياة، وكأنه يكتبها لأبنائه الطلبة، أو لأصدقائه الذين عرفهم من خلال اتحاد كتّاب الإمارات، وهو الذي عمل في سكرتارية أبوظبي ردحاً من الزمن، فتراه يخاطب أبوظبي وهي في روحه، فيناجي في هذه المدينة التي عاش بها أكثر من ثلاثين سنة عمراً حافلاً، ففيها تجلى الشباب والعطاء، خلال السبعينيات فترة البدء، وتجسيد الحلم لكل إنسان على أرض الإمارات، ومن خلال سلك التعليم اقترب عزام من كثير من الشخصيات وأهالي الطلبة ومجتمع أبوظبي في بدايته، وامتدت علاقة جميلة بينه وأطياف مختلفة من المجتمع، وقال لي مرة: عشت بالإمارات أكثر مما عشت ببلدي، ولا أود من أولادي أن يغادروها، بل كان يحثهم على العطاء والعلم كما كان يحث طلبته، فكلما صادفنا أحدهم كانت تغمرهم المحبة والمودة لهذا الرجل. وكانت يجمعني بالراحل أديب عزام، لقاءات يتعمق فيها النقاش الأدبي والثقافي، ونعرج حول العالم وأحداثه، وآخر لقاء كان على سرير المرض، حيث وجدته مبتسماً، وفرح بوجودنا أنا وصديقي الشاعر سالم بو جمهور، وتحدث في موجز الحروف، إلا أن في حديثه ما كان يوحي بالوداع. رحم الله أديب عزام كان امتداداً لكوكبة من المثقفين العرب الذين تركوا لهم بصمة جميلة وأثراً طيباً على أرض الإمارات.