فقدناك يا آخر الشعراء، يا كبيرنا يا ملهمنا، يا معلمنا، وأنت المزمل بالقصيدة الموحية، بكتك الديار، والقلوب مهيضة بحب حبيب صاغ الحياة في عيوننا، قصيدة تحدثت عن حداثة أمعنت في الرؤى وجداً، ووجوداً جاد في سبك الدر على نحر، وفجر، والهم الجياد كيف تهفو إلى غايات ورايات، وكيف يحرر العقل من سبات، فأنت، أنت سيدي، في البوح زلزلة حركت فينا شغب العفوية، وفطرة العطاء، أنت في الصدح، تغريداً ألهم الطير كيف يغدو، في النهار أجنحة ترفرف، في فضاءات الوعي المؤدلج بالفرح، وأنت، أنت المتوج بخلاخيل الشفافية، وأنت المكلل بأضواء وعيك الجميل، وأنت المبلل بريق الموجة الناصعة وأنت المحدق في الأفق، نورساً يلون تفاصيل السواحل، بفيض القصيدة، ويعبق جيد أحلامنا، بعطر ما جاش في خاطرك، من حب إلى الإمارات، وطناً، وحضناً، وحصناً، وأنت المعنى بغزل أهداب الحرير، على قماشة قصيدتك العصماء، في وضح المشاعر الحية النابضة، بدماء عروبيتك الفريدة، في زمن تشققت فيه سحابات المعاني، وتاهت المقل في دياجير الليالي المعتمة.
فقدناك سيدي، ونحن في بدء تلمسنا أسباب تخطينا عواقب ما جرى، في غفلة العالم، ونحن في طور التهجي، وتدوير اللغة لنعبر المحيط، بقارب النجاة من نار الفجائع.
فقدناك سيدي، ولن تغسل الدمعة، حزن فراق، مد شراعه في المدى مداداً، يمتد حبره سواداً، لا تضيئه لحظات الصبر والسلوان.
فقدناك سيدي، وفقدنا حبيباً، صاغ القصيدة، روحاً تحيي عظام أمة أرهقتها حكاية الضياع في غابة التوحش والانهيار، وغثيان ما بعد الدوار المريع.
فقدناك سيد الكلمات المبجلة، فقدناك ونحن في أول المرحلة، وفي انتظار غيث يغسل قميصنا في شقاء البلبلة، ويحيك إزارنا بعد أن مزقت الرياح، أزرار الحشمة، ورمت بوجداننا في خيبات هزائمنا المتراكمة.
فقدناك سيدي، ولكن صوتك فينا سيبقى أصل الزلزلة، وستبقى أنت في ثنايا القصيدة رشفتنا المبجلة، ستبقى رغم الغياب الرهيب، غاية في أذهاننا، تعلو كلما علا صوت الذاكرة، يناديك، يا حبيب، قم، فمثلك لا يخفت له صوت، رغم رحيل الكلمات عن مقالك في صفحة، زينها قلمك، بحبر الوفاء لوطن الوفاء، لأهل الشيمة والولاء، وأهل الكرامة والانتماء.
فقدناك، ولكنك في وجدان محبيك، أنت القصيدة، المجيدة، وأنت تاريخ حياتنا الوليدة، أنت يا حبيب، الحاضر في غيابك، مثل ما هو القمر، يغيب ليحضر ويطل على العالم، بذاكرة الخلود، وأبدية الحلم الجميل.