‏دوناً عن مختلف الأنشطة ‏الإنسانية يعد السفر أكثر ممارسات الإنسان التي لا يمكن إلا أن تعيد تشكيله بشكل أو بآخر، مهما كانت دوافعه. قد يصل بعض تلك التشكلات في أقصاها إلى تغير ملامحه، وهذا بالفعل ما جرى مع أجدادنا الذين رحلوا بعيداً، بحثاً عن الماء والغذاء أو الأمان، إلى مناطق مختلفة مناخياً وجغرافياً.
في أسفارنا الآن نتشكل أيضاً، تتغير ذواتنا، يلمسها المكان المرتحل إليه، وتعبث بها متغيراته، تعيد تشكيل رؤانا حول أنفسنا وحول الآخر الذي نعتقد -وفي أحيان كثيرة نكاد نجزم فيها- أنه مختلف. في زيارة جميلة، وسريعة جداً قمت بها لمدينة الطائف في المملكة العربية السعودية ضمن موسمها السياحي، وفي واحدة من محطات الزيارة الكثيرة والمثيرة، زرت متحف الشريف. وعلى غير ما توحي به واجهة المكان، كان الداخل يزداد إثارة كلما توغلنا أكثر، حتى لحظة الخروج بكل ما في هذه العبارة من معنى.
لم يحدث أن زرت متحفاً خاصاً من قبل؛ وإن كان لدي علم بقيام أفراد في دول مختلفة بالاحتفاظ بمقتنيات خاصة قيمة وعرضها بشكل خاص، إلا أني لم أسمع قط بهذا النوع من الجهود الفردية الشاملة -تماماً- لكل إرث لإنسان المكان. تجربة صاحب المتحف علي بن خلف الشريف -تمنيت لو ألتقيه أطال الله في عمره- أثارت في نفسي تساؤلاً عظيماً حول منحى بعض البشر في التعبير عن شغفهم بالحياة.
ذلك الشغف الذي يجعلهم ممتنين إلى أقصى حد لكل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة؛ هكذا فعل (الشريف) في متحفه، هكذا تعامل مع كل قطعة -مهما بدت بسيطة وكأنها تحفة نفيسة- ولم لا؟ ألم يقضِ حياته متجولاً باحثاً عن أي قطعة ترصد تاريخه وتاريخ المكان!
وقفت قدر ما سمح به وقت زيارتي للمتحف -في مساحة بلغت 6 آلاف متر مربع- مشدوهة وعاجزة عن التعبير، مبهورة بمقتنيات كانت في جانب منها جزءاً من تاريخي الشخصي المادي والمعنوي.
في زيارتي للطائف أثرت حواراً خاصاً مع نفسي، لم أهدأ منه بعد، سأعود وأثيره معك أيها القارئ العزيز، حواراً خاصاً بعالمنا الكبير والصغير جداً. أبدؤه بسؤال: لماذا ندعي أننا مختلفون جداً، بينما الحقيقة أننا متشابهون إلى أقصى حد؟.