الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب بين شرّيْن ومُريْن!

6 مارس 2018 22:30
لم يعد بالإمكان أبداً في هذه الأمة أن تختار بين حلو ومر، وبين خير وشر، وبين حسن وسيئ، وبين حق وباطل، وأصبحنا نبحث عن ذلك الذي يجيد الاختيار بين مرين. أي يختار أحلى المرين وخير الشرين وأحسن السيئين وأحق الباطلين. وهذا الذي نبحث عنه لا نكاد نجده.. والصراع في هذه الأمة دائماً بين شرين وسيئين وباطلين ومُرين.. والمسألة ليست أبداً مثل الأفلام العربية القديمة، ليست صراعاً بين خير محض وشر واضح.. ثم نهاية سعيدة بانتصار الخير والحب وزواج الحبيبين واستسلام أسرتيهما لرغبتهما في الزواج -في الأمة العربية خيوط عنكبوت وحرير على شوك لا تعرف كيف تفك طلاسمه وتحل ألغازه. ودائماً لا نملك إلا التفسير التآمري لكل ما يجري. دائماً هي مؤامرة من أعداء الإسلام والمسلمين، وأعداء العرب والعروبة. دائماً نحن ضحايا مؤامرة كونية. والمؤامرة دائماً تنجح.. ولم نقل مرة واحدة إننا مجرمون في حق أنفسنا.. لم نقل يوماً إن نجاح المؤامرة شهادة علينا وليست شهادة لنا. المؤامرة ليست أبداً إبراء لذمتنا ونجاحها إدانة لنا لا المتآمر، لم نقل يوماً إننا جنود المتأمرين وأدواتهم، إذا كان هناك فعلاً متآمرون. نحن ندين أنفسنا ونحن نظن أننا نبرئها. فالمؤامرة أسهل تفسير للخيبة والنكبة والهزيمة وحمامات الدم في هذه الأمة، تماماً مثل الموت في الأفلام العربية. هو دائماً حل سهل.. فغريم البطل الذي ينافسه على حبيبته، يجب أن يموت ليخلو له الجو، وينتهي الفيلم نهاية سعيدة. الموت أيضاً نهاية سعيدة. فلابد أن يموت أحد ليعيش أحد. لابد أن تكون النهاية السعيدة هي الموت. الآخر لابد أن يموت لأعيش أنا. لابد أن يموت لأحكم أنا. ليس في أمة العرب شعار أنا وأنت معاً، ولكن الشعار أنا أو أنت. وهذه ليست مؤامرة كونية ضد العرب، بل هي تركيبة سيئة وخلطة سامة ترفض الجوار والحوار، ولا تعتمد سوى الصراع والخوار والتناطح. لا تلاقح ولا تناصح، ولكنه دوماً تناطح. حتى فكرة ومبدأ أعداء الإسلام والمسلمين فكرة ساقطة، وهي من اختراع «الإخوان» وبنات أفكارهم السوداء، فالإخوان هم أكثر وأكبر وأقوى المتحالفين مع من يسمونهم أعداء الإسلام.. فهم يحرمون على الآخرين ما يُحلونه لأنفسهم.. فأنت خائن وعميل لأعداء الإسلام إذا تعاملت معهم، وهم يتحالفون مع أعداء الإسلام ولا يرون بأساً في ذلك. حلال لهم وحرام علينا، كما قال أبو العلاء المعري. يُحَرِّمُ فيكُمُ الصَهباءَ صُبحاً.. وَيَشرَبُها عَلى عَمَدٍ مَساءَ ليس للإسلام أعداء من خارج المسلمين والعرب. وكل الذين نسميهم أعداء الإسلام أبرياء من دماء المسلمين والعرب. وقتلى المسلمين والعرب بأيديهم عشرة أضعاف قتلاهم بأيدي من نسميهم أعداء الإسلام. ولا ذنب للفيروسات التي تغزو جسدي وتدمره، ولكن الخلل في جهاز مناعتي المنهار.. ومن العبث أن يتجه جهدي للقضاء على الفيروسات ولا يتجه إلى تقوية جهاز مناعتي المنهار.. وقد صرف العرب جهدهم كله إلى قتال الفيروسات حتى إذا كانت فيروسات وهمية، ولا يريدون أن يعترفوا بأن جهازهم المناعي متآكل ومنهار. والعرب لا يكفون عن ترديد مقولات تجاوزها الزمن مثل أعداء الإسلام والمسلمين والحاقدين على الإسلام والمتآمرين على الإسلام وعلى الأمة، والدسائس والقلة العميلة والمنحرفة، وتجديد الخطاب الديني، وتحسين صورة الإسلام في عيون وأذهان الغرب.. نصوص وشعارات وكلمات ومقولات فلكلورية نرددها جميعاً بالنقل لا بالعقل، حتى ملتها الأنفس ومجتها الأسماع -مقولات كرهتها ولم أعد أتابعها أو أعبأ بمن يقولها. ينادون بتجديد الخطاب الديني بمقولات بالية. وكيف يجدد خطابه من لا عقل له؟ كيف يمكن لمفسد وفاسد أن يتصدى للإصلاح؟ كيف يمكن لمتآكل ومتواكل ومتهالك أن يجدد خطابنا؟ ومن قال إن الخطاب الديني وحده يحتاج إلى تجديد؟ العقل العربي نفسه يحتاج إلى أن يُلقى في القمامة ونستبدل به عقلاً جديداً؛ إذ لم تعد هناك جدوى للترميم أو الصيانة أو تغيير قطعة واحدة من هذا العقل الجمعي العربي، فنحن نلعب بنفس الأوراق المكشوفة والبالية منذ مئات السنين، بل منذ الفتنة الكبرى، منذ ذلك العهد اختلط الحابل بالنابل، ولا نتبين الرشد من الغي ولا الحق من الباطل.. منذ ذلك العهد اندلع الصراع بين معسكرين للمنافقين، ولم يعد هناك فسطاط للحق وآخر للباطل. لم يعد هناك معسكر للكفر وآخر للإيمان. لم يعد هناك معسكر للخير وآخر للشر.. وكنا منذ ذلك العهد وحتى الآن نردد نفس المقولات، وأهمها فكرة المؤامرة الرومانية والمجوسية حتى وصلنا إلى المؤامرة الغربية.. كنا نردد نفس مقولة أعداء الإسلام والمسلمين. ولم نر عيباً فينا أبداً حتى اخترعنا شخصية وهمية هي شخصية اليهودي عبدالله بن سبأ الذي حملناه وحده مسؤولية الفتنة الكبرى، وجعلنا في يده كل الخيوط يحركها من المغرب العربي إلى المشرق العربي وهو متكئ على أريكته في مصر أو في اليمن.. خطاب متآكل ومتواكل ومتكاسل وسخيف اعتمده بعض العرب وعلى رأسهم «الإخوان».. ولم يقل أحد حتى الآن إن «الإخوان» وحزب نصر الله و«الحوثي» و«داعش» و«النصرة» و«القاعدة» هم المتآمرون وهم الخونة، وإنهم يقدمون لمن يسمونهم أعداء الإسلام أضعاف ما يطلبون وما يتمنون.. فويل لنا من خطاب المتآكلين المتواكلين.. وويل لنا من شرين ومرين وسيئين وباطلين! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©