الانحياز بطبيعته تطرف، وانحراف عن جادة الطريق. الانحياز هو محاولة لإنجاز مشروع وهمي نتيجته الفشل الذريع. عندما ينحاز الوالدان، أو أحدهما نحو أحد الأبناء، فإنهما كمن يهتدي إلى العناية بجدول ماء، فيرتبه ويقومه، ويعدل من مساره فلا يفيض فيغرق، ولا يتشتت فيضيع بعيداً عن الحقل.
أما الطرف الآخر من الأبناء المهمل، فإنه يتسرب من غير وعي، ويتوه في ظلمات الإحباط، ويضيع في متاهات الطرق الوعرة، فتتكسر أمنياته مثل عصي اصطدمت بجسم صلب.
الانحياز يجعل من الإنسان المنحاز مثل كفة الميزان غير العادلة، تضيع الحقوق، وترفع من حدة القلق على المصير مما يغرق الإنسان ببحر من الشكوك تجاه الآخر، ويملأه سخطاً، وإحباطاً، وقنوطاً، وتذمراً وتبرماً.
الانحياز صورة من صور السقوط من أعلى إلى الحضيض. فعندما تنحاز إلى شريحة اجتماعية، أو فئة، أوطائفة، أو عقيدة، فإنك وضعت فأسك في جسد الطبيعة وأضرمت نارك في أحشائها، وأشعلت أنانيتك في وجدانها، وعملت على تمزيق الجسد الواحد، وتحويله إلى طرائق قدد.
ما يحدث في العالم من حروب، وكروب، ونضوب في الوعي، هو نتيجة هذا الانحياز، والانحناء لغير الواقعية، ومحاولة ضرب عنق الحقيقية بسكين الانحياز. فنحن في الانحياز، نخرج من واقع الطبيعة، والتي هي الجسم الواحد المتحد المنسجم، والمتناغم، إلى اللاواقع، المحتدم، المنصرم، المنصرف إلى قانون النفي، ونفي النفي نحن في الانحياز، نقوم بتقسيم الواحد إلى أجزاء، وتحويل جذع الشجرة الواحدة إلى نشارة خشب، نحن في الانحياز نحول الأفكار إلى كريات حصوية متصادمة، فيرتفع الضجيج، يتلوه عجيج، ثم رجيج، ثم فراغ يتبعه فراغ، ومن داخل الفراغات، تنمو أنانيتنا، وتكبر الشروخ في الأرض اليباب، وتتسع الشعاب، ويختال الإنسان المنحاز ضاحكاً وكأنه أنجز فتوحات في الكون لم ينجزها سواه، ولا يعلم أنه بهذه الانحيازات، إنما قام بانزياح صوب أنانيته، ومحارته المغلقة، ما يجعله يعيش أبد الدهر بين الحفر.
الشخص المنحاز يذهب إلى العالم بوعي مشوب بالضباب، ونفس محاصرة بصور خيالية وهمية، وروح مثقلة بجراح تاريخية، وموروثات أقدم من العمر. الشخص المنحاز، كاذب، ومسرب لفكرة أنوية بغيضة، لا تحترم الآخر، بل لا تشعر بوجوده في الواقع.
الشخص المنحاز، مثل عربة تسير بسرعة فائقة، فتنحرف عن الطريق، وتضيع في الحفرة السوداء. الشخص المنحرف، مثل كوكب يتوه عن مساره، فتحدث الكارثة. وراء كل انحياز مأزق إنساني، لا خروج من وهدته إلا بالعودة إلى طريق الصواب.