ما الزمن سوى آمالنا في تحققها. فإذا لم تتحقق نظل ندرج في لا غائية الطفولة وركضها المبهم نحو المجهول! عام يجيء ونحن سادرون في غيهب الأوهام، لا ندري ما تأتي به الأيام ولا ندري أي دروب شقت بنا خطى الأماني والأحلام. عام يجيء وأعوام تساقطت مثل أوراق الشجر إذ أنهى رسالته. والشجر يعرى مبتهجاً بفتنة الميلاد. فهل تعرّينا السنون كي نكتسي الزهر؟ هل تحزن الأشجار؟ هل تكتظ بالآلام حتى الجذر؟ وهل يأتي عليها ربيع دامع كالسيل ويجرف خصبها؟ عام يجيء ونحن من وطأة الخيبات نرتعش. وما رأينا من الأعوام التي رحلت غير ما جاءت به الأوهام التي مرت كالطواحين وطوّحت بأحلامنا في الأمن والسلام، كأنها نثار إعصار تبعثر في الأقاصي. عام جديد؟ وماذا الوعد غير الغامض السري.. غير الغيب والمبهم؟ أيأتينا العام الجديد بعلم كنا نجهله ونجهل أننا في العلم نجهل حتى جوهر الوقت؟ نقول: جديد هذا العام.. ونحتفل! نشعل شمعنا الأبيض، وفي أرواحنا آلاف من الشموع الملونة قد انطفأت. وفي تاريخنا عصور من الأقمار قد اختبأت وغطّى ضوؤها حجب من الأعتام، وسورها سياج من رنين العنف، وكبّلها إلى الماضي عجز الروح إذ تجتث فتنة الأحلام! عام يجيء وقلبي في حذر مما قد تأتي به الأيّام، وما يرجو من العمر الذي تنأى به السنوات عن آماله. وما قد يبرأ الجرح الذي ناخت عليه جبال الأحزان والآلام، ولم يبرأ سوى من وحشة لم يألف رخاء العيش في أحضانها، ولم ينقش على سجادة الأيام ما تهفو له الأحلام! عام جديد جاء فليكن مطراً فأرض الروح عطشى. وليكن قمحاً فسنبلة الحياة تجف قبل نضوجها.. وليكن وطناً فأرض الحب أقحلها الشتات. وليكن ما شاء إلا أن يكون كما مضى! تحية العام الذي يأتي بما لا نأتي به. تحية العام الجديد نلقي عليه رغائبنا كلما يبست، ونكسو عظمها الخاوي بأوهام نسميها التمني. تحية الورد من حقول يبست أزاهير المنى فيها. إلى مروج ناءت بثقل دمارها وخضها رعب، وشردتها مراميها. إلى أوطان لا سكنى لأهلها فيها. ولا حزن إذا ما بالغ الحزن يساوي حزنهم فيها. تحية القلب المؤرجح بين الفجيعة والأمل، للأوطان في نكرانها للأحبة في نسيانها لفلسطين الجرح والبلسم. لكل أرضٍ تكتظ بالثكلى. لأطفال، يجوعون، يموتون، وليس لهم من وهمنا الممتد غير المناجل تجتث براءتهم!! فألفُ تهنئة وأمنية بعامٍ يحضنه الحب ويحفظه السلامُ!