المدينة الرائعة ذات الصباحات الجميلة والمبهجة، لا ينقصها غير زخّات المطر. كلنا ننتظر مثل المحب الذي يعتصر قلبه الشوق. مدينة مثل مدننا الرائعة التي يحدها بحر الخليج العربي والعاشقة للماء، لا ينقصها جمال المكان ولا روعة الجغرافيا، ولا بهجة الجبال وتدرّج ألوان الرمال واختلاف السهول.. ينقصها فقط المطر. المطر كلمة شاعرية رائعة شديدة في الرجل الصحراوي. إنه غذاء الروح والوجدان. وحدها هذه المدن وناسها مسكونون بالحب والمطر، تماماً كما تسكن الحبيبة تلابيب الفؤاد، فمهما كانت مدننا بديعة ورائعة، ولكنها تظل مثل ذلك الفتى الذي هجرته الحبيبة، يفرّ قلبه مثل عصفور صغير نحو الفرح واللهفة. قلوبنا عطشى لزخات المطر، كلّنا نتطلع إلى السحب العابرة سريعاً، مثل ضيف خفيف الظل سريع الرحيل. مدننا الساحلية يقتلها الشوق لتغيير المناخ وتغيير المزاج، فالمطر وحده يبعث البسمة والسكينة وأيضاً الحب. حتى في الزحام الذي يسببه المطر، لا تجد تلك العصبية التي تثور بين سائقي المركبات في الزحامات اليومية. في حضرة المطر تنفرج المدينة وتنفرج قلوب الناس، خاصة في الشوارع والطرقات، يختفي التوتر ويصبح الناس أحباب كل يحاول أن يعذر أخيه. القلوب العاشقة والمحبة هي التي غسلها الفرح، وزيّنها المطر، وبعث فيها نسيم الحب والحرية والانطلاق دون كدر أو هم. الحب هو المطر، والمطر هو الجمال والورد والياسمين. هكذا نحتفل بالمطر في سواحلنا الإماراتية. بعض الناس لا يسكنه حب المطر، وهناك من جفّت عاطفة الماء في قلبه، فلا يعنيه من أنشودة الماء ترانيمها، سواء كان الماء نهراً متدفقاً، أو بحراً رائقاً، أو مطراً منهمراً، وهناك من يسكنه الجفاف وحب الصخور وقسوة الوديان والكهوف.. من هؤلاء من يقول لي: ما فائدة المطر في المدينة؟ لاشيء غير خراب المنازل، وتهديم الطرقات، والازدحام، وتعطيل البيع والشراء وتوقف العمل. يتمزق قلبي عندما أسمع هؤلاء الصخريين، ذوي القلوب الجافة الذين يشبهون الآلات الباعثة للضجيج والمنتجة للمال فقط. هؤلاء يفتقدون رقة الشعور بالماء.. هؤلاء ناس المدن الحديدية والمنغمسون في كنز ما سوف يرحلون عنه لغيرهم.. هؤلاء لم يزرع الله في قلوبهم الحب، ولا ينتمون إلى الرجل الصحراوي الذي يغويه المطر، ويرتحل خلف كل سحابة عابرة. هؤلاء أهلكتهم المدينة، فلم يشعروا بالندى، وهو يبلل عروقهم وقلوبهم.