تركيا وإيران، دولتان متنمرتان، متمردتان، مارقتان، خرجتا على القوانين الدولية وعلى الأعراف والقيم الإنسانية. ولكن لماذا أصبحت الدولتان بهذا الخروج، والولوج في البحار والديار، حتى أصاب العالم من الدولتين الدوار. نقول: (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وكما نرى ونسمع من هدهدة، ومناغاة عالمية لهاتين الدولتين، يشعرنا بأننا أمام عالم أصبح الأم الرؤوم، التي تدلل، وتعلل، وتذلل جناح الرحمة لمن تسرب في الوجود، مثل بقعة زيت لا زوال لنقمتها، ولا تحويل لاتجاهها، الأمر الذي جعل دولة مثل تركيا، تعيش على حماية غربية، ورعاية وعناية ووقاية، من قبل من يظهرون الاحتجاج على سلوكها المريب في المنطقة، ويبطنون تواطئاً معها، وتحاشياً للمساس بتصرفاتها العدوانية تجاه القريب والبعيد. تركيا التي تحتل مساحة واسعة من الأرض السورية، والتي فصلت منطقة عفرين عن التراب السوري، وحلقته بجدار لا يختلف عن جدار الفصل في فلسطين، لم تزل في عين الغرب حليفاً استراتيجياً، ولم تزل تمتطي خيول (الديمقراطية) المدعاة، وتتحدث بالفم الملآن أنها ستفعل ما تريد، حفاظاً على سيادتها، وكأن لا سيادة للعالم إلا لدولة اسمها تركيا. ولم يتوقف الزئير التركي، ولا هديرها، وغرورها، ولا غلواؤها ولا أهواؤها، اليوم تذهب تركيا إلى أحشاء الغرب، وتقف عند مشارف الجنوب الأوروبي لتنقب عن البترول، في أرض غير أرضها، ورغم الصرخة المدوية التي أطلقتها قبرص متألمة من هذا التسرب إلى حياضها، ولكن (لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي). الغرب يهدد تركيا، كما هدد، ويهدد إيران، وكل التهديد مجرد مفرقعات نارية، في ليلة عرس وهمية، ولذلك إيران تضرب أينما تشاء، وتتوسع كيفما تريد، ولا تصغي، ولا تتعظ من عبر التاريخ.
هذا التنمر، وهذا التبختر، وهذا التجبر، وهذا التكبر، وهذا التجذر والإمعان في بعثرة أوراق التاريخ، وتهشيم جدران الجغرافيا، لم تأتِ من فراغ، بل هو سلوك من لم يجد ما يردعه ويمنعه، حتى يوقن أن العلاقات الدولية إن لم تُبنَ على احترام حقوق الغير، فإن العالم سيشهد فوضى عارمة، وخراباً سيعم ولن يخص. هاتان الدولتان تثيران الضجر في نفوس الدول والشعوب المجاورة لهما، وتشعلان حروباً عبثية، فيما لو استمرتا في هذا العبث، فلن يستطيع أحد أن يطفئ هذه الحرائق حتى ولو امتلك عصا موسى، وسحر فرعون.