كانت العرب قديماً، وحين توشك أن تلحق بديارهم غارة أو يشن عدو لهم حرباً يرسلون شخصاً، ويكون عارياً على دابته لينذر الناس، وكانوا يسمونه «النذير العريان»، اليوم هناك أكثر من نذير عريان في وسائل التواصل الاجتماعي بعد ما لفظت بعضهم وسائل الاتصال الإعلامية العريقة، وبعضهم موهبتهم لا تسمح لهم، ولا ثقافتهم السوقية تمنحهم شرف الانتماء لوسائل إعلام محترم، هؤلاء المكفهرة وجوههم كدخان بلا نار، لا تدري لما تشغلهم مسألة قيام حرب هنا، وحرب هناك! وكأنها فرحة لهم إن تحققت نبوءاتهم الكاذبة، فأي خلاف سياسي، لا بد وأن يعلقوا في طرفه فتيل حرب، أي توتر يحدث في المنطقة، لا بد وأن يوقدوا مراجل الحرب مستبقين أي حل سلمي، هؤلاء هم منظرو الحرب في المنطقة، وليت تنظيرهم وفق أسس ودراسات واطلاع على مجريات ما يحدث في الدهاليز السياسية أو هو مبني على رؤية استشرافية وفق معطيات تضارب المصالح الاستراتيجية، والمنافع الاقتصادية، ولكنها تمنيات الخاطر على ما يبدو، ولأنهم يعرفون أن ليس وراءهم رقيب أو ناقد أو مفند لهرطقاتهم، ولأن خرجهم واسع، فهم يغرفون ويهرفون بما لا يعرفون، وعندهم الحرب النووية مثل جنازة، ويريدون أن يشبعوا فيها لطماً، وشراء حاملة طائرات - على حد قولهم- وليس بناء، بمقدور كل الدول التي تملك مالاً وبحراً، وكأنها فرقاطة بحرية، وكأننا سنخوض حرباً في المحيط الهادي، كل رأسمال هؤلاء المحللين الاستراتيجيين، نذيري الحرب، قراءة غير مستوعبة للكتاب الصيني التقليدي «فن الحرب» لـ «صن تزو»، هؤلاء المحاربون عن بُعد يذكرونني دائماً بالمشجعين المتحمسين للمباراة أكثر من اللاعبين أنفسهم، لقد كثروا وتكاثروا، مصدرين طنين الذباب، غير أنهم في حقيقة أمرهم كغثاء السيل، وهم مثال واضح لكيفية استغلال العربي للاختراعات والابتكارات المهمة لمقاصد سيئة، فكل واحد منهم ألزم يمينه جهازه، و«هات بث من هالغث»، دونما أي مسؤولية أو التزام أخلاقي أو أدبي أو مراعاة لحقوق الآخرين، ولكي يشتهر أحدهم يبدأ بالسباب والشتائم والمغالطة في المعلومات، وتفسير الأشياء كما يشتهي، معتقداً أن الناس جهلاء مثله، ومعتقداً أن بضاعته الفاسدة يمكن أن تقدمه كمرتزق إعلامي يمكن تبنيه هنا أو هناك، متوهماً أن له ذلك التأثير في خلق رأي عام أو على الأقل خلق حالة من الغضب الجماهيري، هؤلاء العالة على الإعلام والكلمة الصادقة والشريفة، يريدون حرباً بأي طريقة، وبالألوان، ليعتاشوا طويلاً على الجثث، هم كما نسمي أحدهم، وأخال جلهم، بـ «محواث الضو» ذي الوجه المسخم!