لا تفكر فيما يجنيه غيرك، تسترح وتصبح أنت الأثرى والأقوى، تصبح أنت الكائن الحر الذي يمشي على الأرض، من دون قيود، ومن دون معطف ثقيل، يعرقل طريقك إلى الحياة. عندما تبحلق بعينيك تتعب جفونك، وعندما تقطب حاجبيك تشعر بالألم في جبينك، وعندما تستمع كثيراً إلى الأرقام المذهلة، تخسر أنت الرقم واحد، وهو أنت. جرب في أن تكون من دون أفكار، ومن دون مقارنات، ستجد نفسك بصورة واضحة وجلية وجميلة أيضاً، فلا شيء يشوهك أكثر إلا عندما تقارن، وتزاحم الآخرين في قدراتهم، وتبذل كل ما بوسعك لكي تخرج من ذاتك، لتصل إلى الآخرين، لتكون هم وليس أنت. المعضلة الكبرى تبدأ عندما لا يجد الإنسان نفسه إلا في وجوه الآخرين، في هذه الحالة يفقد نفسه، ويضيع في صميم الكثبان الرملية، يضيع في الغابة ولا يجد الطريق إلى الحياة، لأنه فقد البوصلة، وأشاحت السفينة باتجاه مسارات مغايرة، لما هو كامن في نفسه. ولننظر ماذا فعلت الثورات العربية بالعرب، فقد حاول البعض التقليد، وكان تقليداً أعمى، فارتمى في خضم الأفكار المتشابكة، والتصورات الوهمية، والخيالات الأبعد من حدود الواقع، فماذا كانت النتيجة؟ إنه أصبح اليوم يبكي على ماضٍ تولى، كان قد مجه وثار عليه. المسلمات التي طالب بها الإنسان العربي في كل بلدان (الربيع) جميلة وبراقة وجذابة، ولكن ليس كل ما يبرق ذهباً، وليس كل جذاب له قيمة فعلية حقيقية، إلا إذا تلاءم مع الواقع، ما حدث أن قادة ثورات الربيع وقعوا في مصيدة الدهشة الأولى، وهذه ليست المطلب الإيجابي بالنسبة للإنسان، فنحن نندهش لأشياء كثيرة، ولكننا بعد حين نكتشف أنها لا تلائمنا لأنها بعيدة عن كارزميتنا، وبعيدة عن مكوناتنا الطبيعية، فالحديث عن الحرية هو حديث جميل ويسيل له اللعاب، ولكن الحرية لا تأتي لمجرد التفكير بها، بل هي نتيجة تدريب وتنشئة ومعايشة وطريقة حياة، ولذلك نرى أن كل أو معظم المعارضات العربية، ما هي إلا استنساخ لواقع ثقافي مأزوم بالأنانية، محتدم بالذات المتورمة، ولا فرق بين هذا المعارض وذاك المعترض عليه، الأمر الذي جعل نصف سوريا خارج سوريا، ونصف ليبيا تحارب ليبيا، والصومال يحتضر، ولا تزال بعض الأبواق تزعق وتشهق، ولا مستفيد سوى أصحاب الأجندات الملونة والمزدانة بأحلام ما قبل النوم وأوهام التاريخ، نحن بحاجة إلى قوة فرامل فاعلة، تعيد لنا التوازن، وتمنع عنا ضرر التفكير فيما يجنيه غيرنا، نحن بحاجة للراحة بعد الاستغناء عن خدمات التفكير المحمل بالضغائن، نحن بحاجة إلى عالم داخلي نظيف ونقي من شوائب الذات المتوهمة، والعقل الباحث عن اللا عقل.