هل هي نكتة؟ هل هي فكرة جديدة يطل علينا بها التاريخ، متجاهلاً فكرته السابقة في النشوء والارتقاء؟ فنحن اليوم نشهد أسطورة تاريخية، تعقص جدائلها دولتان في واقع الأمر هما لا تزالان في مرحلة الرضاعة، وكل حليبهما يجلب من أثداء خارجية، وما نراه من مساحيق تجميل ليس إلا خدعاً بصرية تلقيها علينا مخيلة التاريخ المدفون تحت ركام ما قبل التاريخ.
تركيا تزعم أنها دولة عظمى، ولكنها في واقع الأمر ما زالت تلهج إلى انتماءات ترتب لها البيت القديم، وإيران تصبو إلى نفس المنحى التركي، وذلك لتشابه الأحلام، والأوهام التاريخية. ولقد استغلت كل من الدولتين تشقق الجدران في أكثر من دولة عربية، وانسلت متلصصة، ومتخصصة في دس الخنجر في الصدر، بادعاء المعالجة من الداء الخطير.
في سوريا هناك الأوراق مختلطة ومتقاطعة، ومتشابكة، ولو خرج سقراط من قبره لن يستطيع حل المسالة، فاللوغاريتمات معقدة، ومقعرة، ولا يمكن فك شفرتها، الأمر الذي سهل الولوج التركي الإيراني في نخاع هذا البلد وأصبحت الأورام تمد أذرع الألم في كل مكان، ولا حدود للتوسع، والانتشار.
تركيا تمسك زمام الأمور في الشمال السوري بوضع اليد، ولا من يفوه بكلمة، والحديث دائماً يدور حول المناطق الآمنة، التي تحمي سيادة تركيا من (العدوان) الكردي.
أما إيران فيبدو أن حجتها أكبر لكونها تريد أن تحرر القدس عبر الأراضي السورية وكذلك المضايق والممرات في البحار العربية، وحتى الآن لم نر شيئاً من هذا القبيل ولم تطلق رصاصة واحدة باتجاه القدس، بل إن الهدم مستمر هناك، لن يتوقف لأن الظروف مواتية، والعالم منشغل بحروبه الطائفية، والحزبية. تركيا تضرب في مكان من أرجاء العراق، بحثاً عن أعداء وهميين، وإيران ترسل قوارب (السمك) فرداً للعضلات، والعالم مندهش، من بروز الدولتين فجأة، تهددان، وتتوعدان، وتصعدان، وترفعان من وتيرة الحرارة في الخليج العربي أو في البحر المتوسط، فهما بقدرة قادر أصبحتا مركزاً للتوتر في العالم، مع انتهاء وميض الدول الأخرى، لسبب من الأسباب لا يعلمه إلا الله.
هو سيرك سياسي في نهاية الأمر، والمستقبل القريب سوف يكشف عن سر هذه اللعبة الكبيرة، وسوف يعرف من لا يعرف، لماذا تورمت إيران إلى حد الانتفاخ المخيف؟ ولماذا تمددت مخالبها لتطال أكثر من بقعة في جغرافيتنا العربية؟ كما أن ما يحدث في تركيا ليس بالأمر العادي، هناك خفايا، خلف النوايا، وهناك قصص تفوق روايات أجاثا كريستي، والفريد هتشكوك، وسوف نكتشف ما قاله البدوي للملك النعمان بن المنذر (إن غداً لناظره قريب).