الطفل المتنمر، شخصية شوكة سادية اصطدمت بجسم صلب، فانكسرت، عندما تجد طفلاً يحني رأسه لطفل آخر، ويتلقى الصفعات، من دون أن يحرك ساكناً، فعد إلى تاريخ الحالة، وسوف تكتشف علاقة أسرية، فيها أب سادي، وأم مازوخية، أو العكس تماماً، و«المازوخية» نمط متوغل من السلوكيات المنهزمة، يبدأ مبكراً في مرحلة المراهقة، ويمتد لفترات متباينة مع الشخص.
ومثل هذه البيئة المضعضعة، والتي تخيم تحت شجرة جرداء، أغصانها أعواد كافة، متشابكة مثل عظام بعير أجرب. المازوخي إنسان لم يجد الماء العاطفي العذب فراح يبحث عن رشفة من سراب المراحل العجفاء، ولم يجد في طريقه غير الإحباط والقنوط، والسقوط في الحفر السوداء، والتي تقوده إلى ظلمة دامسة.
فالأب الذي يضطهد زوجته أمام أبنائه، ويظهر سلوكاً عدوانياً في علاقته الزوجية، لابد وأن يخلف وراءه كتلة دخانية هائلة مرعبة، تسحق الروح المعنوية لدى الزوجة، فلا تستطيع أن تكون مثالاً نموذجياً يحترمه الأبناء. وكذلك الزوجة المتشيطنة، والمتشظية، والتي تقف أمام الزوج وكأنها الموجة العارمة، لا يستطيع الزوج عبورها كي يصل إلى شاطئ الأمان، مثل هذه الزوجة تقف عقبة كأداء، لا تسمح بأن يكون الزوج صورة نموذجية يحتذى بها أمام الأبناء، ومن ثنايا هذا النسيج المبقع بالنقاط السوداء، تبرز الثنيات المرقعة في نفوس الأبناء.
وعندما يبحثون عن النموذج فلا يجدون غير المثال السيئ، فينتمون إليه، ويخرجون إلى المجتمع بهذه الصورة المشوهة، ولن تكون علاقتهم بالآخر، غير تلك الوشائج المحطمة التي ترتمي بين أحضان كائنات متوحشة، تغرس مخالبها في الجسد الميت.
«المازوخي» شخص فَقَدَ الثقة في قدراته، وعجز عن تقييم شخصيته، إلا من خلال شخص آخر تبوأ المشهد، محتمياً بخداع الصور التي جلبتها له المخيلة المخادعة، إذن لكل مازوخي مقابل سادي، ويلتقي الاثنان عند نقطة سد الفراغات. فالسادي يحتاج إلى شخص مازوخي، وكذلك المازوخي يحتاج إلى شخص سادي، وهكذا تستمر دورة العلاقة البغيضة، تنميها معارف مجتمعية تبحث عن الدواء، خارج صيدلية العلاج الطبي الحقيقي بل تلقي بالأسباب على عاتق مسوغات لا علاقة لها بالجذر الطبيعي للمرض.
التطور الاجتماعي الذي مر به المجتمع، لم يكن بالسهل تجاوز صدماته الحضارية، بل كان من الأجدر بنا أن نقف، ونتمهل، ثم نتأمل اللوحة الجميلة التي صنعها لنا هذا التطور، ثم نبني على هذا الجمال، جمال الروح، ولكن الذي حدث هو عكس ذلك. لقد مضينا سريعاً باتجاه التطور، دون أن نلتفت إلى الثغرات التي يتركها لنا التطور فيما تجاهلنا روح التطور، وتمسكنا بمادته الصلبة.