- كل شيء يمكن للإنسان أن يراهن عليه عدا النفس البشرية، وحدها التي يمكن أن تتغير بين طرفة عين وإغماضتها، فمن تعده صديقاً قد ينقلب على صداقتك، ومن تعده من خيار الناس، فجأة يتحول لعدو! لكن ما يجعل النفس البشرية تنوء بحملها، أن بعض النفوس لا تراجع حساباتها، ولا تتراجع عن جهالة مواقفها، وتظل في غيها تعمه، وتزايد على الخطأ، وتدافع عنه، ويمكن أن ترتكب حماقات من أجل ألا يقول الناس عنها إنها على خطأ، وعليها أن تتأسف وتتراجع، عائدة لجادة الصواب. هذا ما نشهده في هذا الوقت الرمادي الرديء، كل شخص حدثت معه مشكلة شخصية في الإمارات خلال معيشته فيها، وبين أهلها مدة عشر سنوات ويزيد، يظل يتصيد ويتحين الفرص حتى يخرج منها، بعدها يظل يكيل للإمارات، ويذم أهلها بما يحمل رأسه من فجور وانحطاط، وقصور أخلاق، وحقد دفين ظل يتربى معه، فيبقى يعيب كل شيء فيها، حتى أكلها، ويقزم من نهضتها، ويختصر مشكلته الفردية في رمي الإمارات بكل ما أوتي من سماجة في الخَلق والخُلق، ويظل يخرج ما في بطنه، معتقداً أن الناس أغبياء، ولا يحملون عقلاً حراً في رؤوسهم مثله، ومن شاكله، وطابقه، واختس بطبعه المسعور، فدائماً وحدها الشجرة المثمرة التي ترمى بالحجر، وقد قالت العرب قديماً: لو كل كلب عوى، ألقمته حجراً.. لأصبح الصخر مثقالاً بدينار - «جثمان دانة»، وكيف تسارعت الناس ملبية الواجب الإنساني، وما اتصف به الناس هنا من كرم أخلاق، وطيبة متناهية، ليقفوا وراء أسرة حلّت بها مصيبة من مصائب الدهر، وهو موقف أصيل، وليس غريباً عن هذا المجتمع، ومن يعيش فيه من مواطنين ومقيمين، فالناس تلزمها المجتمعات، وتطبعها بعاداتها، فكيف إنْ كان فعل خير، وهو من أس الدين، ومن فضائل أخلاق العرب، ثمة أمور إنْ حدثت كما حدث في موكب «جثمان دانة»، لا تملك إلا أن تهطل العين بدمعها، فالخير دائماً طريقه أخضر، خاصة حين الحاجة، وحين البأس، وحين الشدة، وحين تواسي مكلوماً. - تهنئة جديرة وواجبة نزفها للإمارات كأم أولاً، ولسمو الشيخ حمدان بن زايد كأب ثانياً، استبشاراً بعودة أبطال الإمارات، وفي مقدمتهم الشيخ زايد بن حمدان، وزملاؤه من رفاق السلاح، بعد أن منّ الله عليهم بالشفاء، واكتحلت أعيننا برؤيتهم، بعد أن هزّوا النفوس ببسالتهم في ميدان الشرف والواجب، فالحمد مضاعفاً، والشكر مرادفاً بهذه العودة الميمونة الظافرة.