كنت بصدد إنهاء معاملة تصورت أنها لن تحتاج لأكثر من عشر دقائق لإنجازها، خاصة مع هذا الكم الهائل من الكلام الذي يغمرنا عن تبسيط وتسهيل الإجراءات وعصر الأداء الإلكتروني الذكي، فأشار عليّ صديق بالتوجه لمكتب «تسهيل» في مبنى نادي الجزيرة الرياضي بالعاصمة. ويبدو أنه كان يهدف لألمس معه معاناة المراجعين التي تبدأ من أزمة مواقف تضرب المكان جراء بدء تنفيذ مشروع مجمع تجاري ضخم في الجوار، وتمتد تلك المعاناة لساعات الانتظار الطويلة حتى خروج المراجع من المكان المكتظ بالبشر. عندما تتأمل في وجوه المراجعين، وكذلك الموظفين والموظفات، تجد الكل تحت ضغط الازدحام، والأسئلة المتكررة والمتواصلة بكل اللغات ومختلف اللهجات، والكل ممتعض، فالموظف يحلم بمراجعين مثاليين يُقبلون عليه بأوراق مكتملة، والمراجع يريد إنهاء معاملته والخروج بأسرع وقت ممكن. وفي مكان كهذا، تكتشف أن المعنى بدل من «تسهيل» يمضي في التعقيد ذاته، وقد صدرت الدوائر والوزارات المراجعين وما تطلب من أوراق إلى مكاتب «تسهيل»، وتفرغت هي لاستقبال محكمي شهادات «الآيزو»، وشهود مبادرات «دوائر بلا مراجعين» أو «مكاتب بلا ورق»، بينما كل الأعباء يتحملها موظفو «تسهيل» الذين يبذلون جهوداً كبيرة لاستقبال هذا الكم الهائل من أفراد الجمهور متعدد الثقافات والاحتياجات والقدرة على استيعاب المطلوب. في هذه المكاتب، يتساوى المراجع ذو المعاملة الواحدة ومندوبو الشركات والمؤسسات التجارية الذين يحملون معهم عشرات المعاملات الخاصة بموظفيها. وهناك لا تحتاج لجهد كبير ووقت طويل لاكتشاف عنق الزجاجة التي تتسبب في تكدس المراجعين أمام هذا المنفذ أو ذاك. حيث تجد أن المراجع الذي لا تستغرق معاملته - على سبيل المثال- عند موظف «الضمان» أكثر من عشر دقائق؛ نظراً لوجود العديد من المنافذ، تجده يتعطل ويتأخر عند «صراف ضمان» الوحيد الذي يقوم بسحب الرسوم من «حاصلة الدرهم الإلكتروني» وإصدار البطاقة الجديدة، رغم التوجه الجديد للشركة الوطنية للضمان الصحي التي اعتمدت دمج بطاقاتها مع «الهوية»، مما ينسف تسريع الإنجاز. أما بالنسبة للإصرار على الدرهم الإلكتروني، فإنني أدعو الجهات المصرة عليه للاستفادة من تجربة شرطة أبوظبي في تحصيل رسوم الخدمات، فالعبرة في النهاية بتفادي تكديس مبالغ نقدية كبيرة لدى موظف التحصيل، وفي الوقت ذاته التسهيل على المراجع بدلاً من رحلة البحث عن الدرهم الإلكتروني الذي يعز العثور عليه في أحايين كثيرة.