تقصيت سر إعجاب العالم الغربي بسلسلة روايات «هاري بوتر» ومثيلاتها، وكيف تنفد طبعات الكتب وبمختلف الترجمات عند شعوب العالم الأخرى، وكيف تبذخ السينما في إنتاجها لهذه السلسلة الناجحة فنياً وبتقنية عالية، والمدرّة مالياً كدجاجة تبيض ذهباً، فلم أجد إلا أن العالم الغربي ما زالت تستهويه حكايات السحر، وما زال يريد أن يهرب من عالمه المادي الفج، ولو لبضع ساعات، ويطير من واقعه لواقع متخيل أجمل، فيه المغامرة، وتحقيق الأمنيات بضربة عصا سحرية، وهذا هو ما ينقصه في عالمه الذي ترجّه ماكينات الصناعة، واللهاث اليومي الطويل من أجل شيء قليل، وربما يكون من أسباب النجاح أن مثل سلسلة هذه الروايات والأفلام المقتبسة منها تخاطب فئة عمرية مراهقة وشبابية، حيث الأحلام والسحر وتحقيق الأمنيات والمعجزات صفة غالبة عليها في هذا العمر، وهم بالتالي يشكلون أكثر سكان كوكبنا، وهم المؤثرون كقوة شرائية في رواج الكتاب أو نجاح الفيلم. وفي عالمنا العربي ما زال هناك معجبون بالأفلام الهندية، كمشروع هروب من واقع مُرّ لعالم طريّ، وهو ما تفعله المسلسلات التركية المدبلجة، وتأثيرها على أفراد شعبنا العربي الأبي، فالذي يرى حمى التسابق على شراء هذه المسلسلات من قبل المحطات، والتكالب على سرعة دبلجتها، والتكتم على مفاجآت عرضها والترويج لها يعتقد أنها سترمم هذه البيوت العربية المتداعية، وأنها ستصلح ذات البين بين المتخاصمين، حتى يشك الواحد، والشك هنا في محله، أن البيوت العربية ناقصة «إنزيمات رومانسية»، وناقصة هرمونات عاطفية، ولديها تكلس في العلاقات الحميمية، وهشاشة في التجاذب الودي، وأن مسلسلا تركيا واحدا مثل النوافذ المتشظية أو على حافة وادي الهلاك أو شجرة الزنجيل المسمومة - هالشكل أسماء المسلسلات التركية- يظل يشحن البيوت العربية لمدة أشهر عبر مائة ويزيد من الحلقات بجرعات حنان وعاطفة ورومانسية مفقودة، ويشغلها بتفاصيل تصبح شغلها الشاغل، فالواحدة قبل ما تصبّح على جارتها، تسألها عن بهلول، وعن مهند سابقاً، وكيف قص شعره، وأصبح أكثر بريقاً وبياضاً ونظافة من المساحيق الأخرى! والبعض منا من هم في عداد ناقصي عقل وشغل، وبعد ما تنتهي الحلقة، يركض على «اليوتيوب» ويشاهد الحلقة كاملة غير مراقبة، ولا مقصوص منها مناظر العشق الممنوع، ويمضي يوم الأسرة العربية، وهي تتراسل هاتفياً بأخبار أبطال المسلسل، والتعليقات الإيحائية، والمكبوتة والمسكوت عنها، والتواصي بتسجيل الحلقة لأن صاحبة التقويم في الدوام، فتطلب أن يرسل لها على نقّالها ملخصاً سريعاً عن الحلقة حتى تشاهدها حية، فترد صاحبتها التي خلعت التقويم قبل فترة وجيزة: شو فيه على «اليوتيوب» يا الهبلة، فتصرخ الأخرى: ما أقدر.. ما بأخذ راحتي أنا في الشغل، يا الله.. «باي»!