السعديات.. تحفة الطبيعة الخلابة، حارسها البحر وحرز زمانها ورقية مكانها، وأشجار القرم قلادة الوجود وفن الأبدية، تزخر باخضرار طوق الجزيرة بأحلام الطير المهفهف بأجنحة الفرح، ورهافة المعنى وشفافية البوح وحيوية التحليق. في هذه الجزيرة، تسهر الأشياء معتنية بالجمال، مسهبة في ترتيب مشاعر الناس أجمعين، مسترسلة في ترتيل آيات الحب، وتلاوة السيرة الذاتية لجزيرة ما بينها والبحر قصة التداخل والانغماس في كتابة التاريخ بحبر الماء ونون الحياة، وهي الرعشة الكونية حين يكون الحب صافياً مثل عيون الطير، وحين يكون الوجود قارباً يسافر في الناس عبر مضائق الأفكار الفيّاضة بالأمل، المنسجمة مع أمنيات الذين تناغموا مع لمعة النجوم واستدارة القمر، ورقصة أهداب الشمس على صفحات بحر بدا في الوجود مثل وجنة لم تلمسها يد لاهٍ ولا مشاكس. هنا في الجزيرة، حيث يمر شارع خليفة متأبطاً حقيبة فضائه، مرصعاً بزينة الفرح، مزملاً بمخمل السعادة، منتمياً إلى الحياة برفاهية العشاق المدنفين، ورخاء المحبين الذين جاؤوا إلى الوجود، بمهمة رسم لوحة الجمال وتنسيق مشاعر الناس، وبث العذوبة في كل مكان. هنا في الجزيرة، تبدو الحياة مثل كون تشكل على هيئة الأياقين الأسطورية، وعلى صورة المعجزات التاريخية، وما أن تجد نفسك في هذا الطريق المخضب بلون الزهر، يأتيك الدهر مجللاً بابتسامة الفوز، يقول لك إنك فائز كونك مددت الخطوات على سجادة السعديات، بحريرها المطرز بفطرة القرم، وفطنة من عشقوا الجمال، وأكسبوه من وعيهم جمالاً، وحنكة من أيقنوا أن الحياة نظرة فابتسامة فعلامة وشامة، ترتسم على خد الوجود، ووسامة تشيع فيضاً من بهاء وصفاء. في السعديات، هناك المكان يشرق ببياض الأجنحة، واخضرار الأوراق، وعبقرية من نسجوا خيوط الشرشف الأنيق، وهيأوا للأحلام أياماً تمضي في الزمان كأنها غزلان هجعت على مروج، والطرف مغضوض على ندى السابحات تحت سقف السماء الصافية. في السعديات، تبدو الأفكار مثل فراشات تلون المخيلة، وتزخرف الكلمات، وتسكب الشهد في المهد، وتليد التاريخ يعبر بك محيطات الخيال، وأنت مثل البحر، مثل أشجار القرم، تحرس وتحترس، من غفوة تبعدك عن نظرة تسلبك من نغمة، حرّكت فيك أوتار النشيد الأزلي. فأنت هنا ولو لبرهة، فإنها الزمن كله، الحياة كلها.