«كان» مدينة، لا شيء لديها إلا المدينة، وما يمكن أن تقدم للآخر الزائر والمتردد عليها، وتلك السمعة التي بنتها عبر سنوات طويلة، وعبر أمور عدة، منها الثقافي والفني والسياحي والاقتصادي وغيرها، ومهرجان «كان» السينمائي الدولي، واحد من هذه الأشياء التي أصبحت جزءاً من المدينة، وعنوانها، وجزءاً من مداخيلها الاقتصادية، ولم يتأت ذلك سراعاً وجزافاً، ودون تخطيط وصبر، وهو اليوم يبلغ من عمره ومن عمر منجزاته واحداً وسبعين عاماً، ويقدم للخزينة الفرنسية 167 مليون يورو سنوياً، اليوم هو مهرجان يختصر مدينة «كان». تلك مقدمة.. كيف تصبح الأمور ذات قيمة تاريخية عند الأوروبيين، وكيف يستثمرون في الوقت، وبناء السمعة، وترسيخ المصداقية، من خلال مشاريع تبقى للأبد، وتخدم المكان بكل الإمكانيات، وقد زرت خلال فترة السنة ونصف السنة المنصرمة حوالي عشرين مهرجاناً سينمائياً دولياً في عشرين بلداً مختلفاً في قارات العالم، ليس من بينها مهرجان عربي، ورأيت شيئاً يسر الخاطر، ويفرح القلب، لأن سمعة الإمارات تسبقني، وتسبقني للمهرجانات الدولية سمعة «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الذي يحظى بتقدير خاص، واحترام يتجلى في عيون المختصين السينمائيين، فقد أصبح رديفاً لنجاحات دبي في مختلف مناحي الحياة، واستطاع خلال خمسة عشر عاماً أن يأخذ مكانة دولية، وأن يتجاوز مهرجانات سبقته في هذا المجال بسنوات. وأصبح اليوم في المراكز الأولى المتقدمة عالمياً، نتيجة التجديد والتطور، والإبداع والدهشة، وبناء المصداقية، لقد حرق هذا المهرجان مراحل، ليصل في وقت قصير لمكانة دولية يحسد عليها في تصنيفات فنية عدة، ومعايير المهرجانات الدولية، منها التنظيم الراقي، واختيار الأفلام، واعتباره من المهرجانات الرائدة، من حيث التأثير الثقافي والفني، كل ذلك أتى بفضل الرعاية والتخطيط والدعم، خصوصاً في مراحل التأسيس والبناء، وتثبيت المداميك الأساسية، والتسويق والترويج وسعة الانتشار، وجلب تلك السمعة الطيبة، والصورة الجميلة، والمحافظة عليها. ولو طلبنا مثلاً من منتج أفلام «توم كروز» أن يصور في دبي، ويتكرر ذكر اسم دبي ضمن حوار الفيلم، باعتباره شيئاً من التسويق للمدينة سياحياً، وترويجاً لمكانها ومكانتها، لكان المبلغ المدفوع يتجاوز مائة مليون دولار، وقد لا يقبلون أحياناً، لأنهم يمثلون شركات تخضع لمحاسبة ومراقبة إذا ما تغيرت الأهداف المعلنة من إنشائها، لكن أن تتعاضد مؤسسات المجتمع الاقتصادية في الإمارات، وتدخل في شراكة مع «مهرجان دبي السينمائي الدولي» ومن خلاله، حضر فنان عالمي بحجم «كروز» هنا، وحضرت دبي ومعالمها في فيلمه صوتاً وصورة، والذي قاربت مداخيله 670 مليون دولار، وبلغ مشاهدوه 80 مليوناً، دونما أي تكلفة، وتبعتها لاحقاً شركات إنتاج سينمائي عالمية من مختلف البلدان ضخت ملايين الدولارات في السوق، ولا أحد يستهين بالسينما، فقد أصبحت مثل السياحة دخلاً وقيمة وترويجاً وتأثيراً، اليوم قل: دبي فقط، وكل العالم يعرف!