كلما التقيت بصديقي الهولندي الذي قال لي مرة حالفاً، والهولندي صادق، فما بالكم وقد حلف: إنه لم ير حلماً في منامه، من يومها، كلما تذكرته ضحكت من القلب، وإن التقيته، سألته: إن حلم خلال الأشهر الماضية، فيتذكر، ويجيب لا أعتقد، هناك أشياء بسيطة كالغبش، لكن بعد ما أصحو، لا أتذكر منها شيئاً، يتملكني الضحك حتى تغرورق عيناي بالدمع، في حين يتملكه العجب من ذلك الضحك، لكنه لو يدري كيف هي أحلامنا التي في النهار، وتلك التي في آخر الليل، لعذرني، وكيف نبتدئ أولاً بالعراك من المخدة، ثم «الضرابة» مع النفس، وحين تستيقظ تجد نفسك مثل عدائي المسافات الطويلة، وحواجز، ومرات تجد نفسك إما قابضاً على حنجرة زوجتك، فتتمنى لو أنه حقيقة، وإن كان حلماً تمنيته أن يطول، ومرات تحلم بها حالّة على صدرك مثل «الياثوم»، ساعتها تحاول النهوض بما استطعت، متمنياً أن يكون حلماً قصيراً، وينتهي مثل نهاية الأفلام الهندية الملونة. لا أحد من الشعب العربي الأبيّ لا يحلم، أحلام اليقظة في النهار، حب التملك، والتفرد، وأن يكون أحسن من جاره، وأغنى من أخيه، وبعضهم يحلم بزوال نِعْم الآخرين، وفي الليل تجد لدينا حلبة مصارعة الثيران، هناك جيران «يثيبون» على صياح الجار في الحلم، وعندنا بعض من الناس بقدر ما هو لئيم، إذا ما حلم بك حلماً لم يعجبه، حتى صباح الخير ما يقولها. أما النساء الغابرات، فأكثر أحلامهن تدور في أجواء المسلسلات التركية أو أن المعقصة خرّبت صبغة شعرها أو تحلم أنها «متينة وايد»، يعني العربية يمكن أن تحلم مثل اليابانيات مثلاً؟ كيف الواحدة منهن يمكنها أن تصنع ثلاجة صغيرة لولدها في المنزل، والله لو عربية تزوجت «هايكوشيما»، لكان لا فتح دكاناً مختصاً بالـ«روبوتات» المنزلية، ولا فلح في ابتكار شريحة تسيّر السيارة بلا بطارية، أقصاه سيكون عتّالاً في ميناء «أوساكا». المهم أن صديقي الهولندي، لا أدري أهي نعمة أم نقمة أنه فاقد للأحلام؟ لكنه في الحقيقة غير مهتم كثيراً بالموضوع مثلي، فأنا من أول ما عرفت أن مخه نظيف، وأنا غير مرتاح، على الأقل من باب الفضول، وحب المعرفة، لأن أحياناً أحلامنا خطرة علينا، وعلى من حولنا، وليس كل واحد قادر أن يمتطي أحلامه ويسافر بعيداً وعميقاً، فليس كل الطيور تعضدها أجنحتها على التحليق طويلاً، ثم إن هناك أشخاصاً بعضهم مهمته في الحياة أن ينهض أنصاف الليالي يتعوذ من إبليس، وَمِمَّا رأى، تقول إبليس جاره الجنب!