ليت من ذهبٍ حصاني. لكنتُ قفزتُ به على لعنة الفقر، وسبقت به الراكضين على مهلٍ في الملذات. لكنه كابٍ منذ امتطيته طفلاً، وحوافره ذابت في مخاض الجمر، وركبتاه تقرحتا وهو يجرّني من قيدٍ إلى قيد. وكم تمنيته على الأقل يغنّي، لكن صهيله العذب تغرغر، ولم تُبقِ في فمه النارُ سوى الزبد. وليت حصاني لساني، لكنتُ رويته بحبر من عصروا الأقلام عصراً وقطّروا منها زبدة الكلام. ولكنتُ رميتُ إلى الفيلسوف لِجامه، وليأخذه أينما يشاء، في المنحدرات الوعرة للعقل، في النثر الذي يغلب الشعر ويُرديه، في العبارة المكتومة لرجلٍ يئنُّ من قسوة السؤال، وعصفه المرّ، ولغز نهاياته وحواشيه. لكن حصاني بلا سرجٍ، وسهلٌ أن تمتطيه الريحُ، وأن يتبع القطعان بلا سببٍ سوى أنها تظلُّ تهربُ من تيه إلى تيه. خذني ورقة أيها الخطاط، وأرسم على ظهري دوائر كنتُ عبرتها مستقيماً مثل سهم الحقيقة الأعمى، لكني لم أُصب هدفاً إلا ولفيته جداراً. وما دفعتُ باباً، إلا ومن بعده عدمٌ شاسعٌ. ورأيتُ من حملوا الميزان قبلي يُرجمون بحجر الصبر، ويكون مآلهم السقوط قبل منعرج النهاية. وسمعتُ عن شعراء ذمّوا تآكل الدهر، ولم يفطنوا أن في صبحه غداً، شمسُ أمنية آتية. خذ نشيدي أيها الخطاط، وأحفر على قبور من أهلكهم الخوف كلمة الحب، ثم انثر عليها عرقاً نزفتُه وأنا أحفر في الصخرة التي اسمها الأمل، وسوف ترى قيامة الوضوح وقد آن اشتعالها. ومن حُلكة المعاني سيخرج طفلٌ يهزُّ هشاشة الماضي ويهدم قصور الوهم على بُناتها. لن يستقيم الدرب أبداً، ولكي ندّعي أننا كتبنا عمراً جديداً لهذه الأرض، لا بد أن نردم حفرة التأسّف أولاً، وأن نسحب البحر من قرنيه ليغسل أثر الخاسرين ومن جرى عبطاً في عُرفهم. من أوهم الساعة أن دورانها قدرٌ، وأن عقربها أشدُّ فتكاً إذا تعاند الضدان وأنا بينهما هالكٌ في عبث المصير. لا، سيكون على الريح أن تنفث غرورها كي تطفئ جذوة الحب في صدري المشتاق للضوء. وسيكون على الحرية أن ترمي جناحيها تحت أقدام المسافر لعل غربته تفيقُ. وإذا تناغى العاشقان ولم يُرجما بالكُفر، وإذا انسلّ ضوءٌ من حائط المحشورين في غرفة النسيان، وإذا ارتفعت غمامة الآهات وأمطرت، ساعتئذ سيكون الوقتُ مجرد شظايا من لحظات متلاشية. والمكان مجرد بقايا من صروحٍ ذاوية.