لو حاولنا أن نخلق يوماً من فرح في نفوسنا، وعلى من حولنا، شذّبناه بما يمكن أن يعلق فيه من تفاصيل صغيرة يمكن أن تزعجه، وسمّيناه يوماً من العمر، لو نهض الشخص منا صباحاً، وشاهد الفجر وهو يوقظ أبواب الناس باباً باباً، وتابع الشمس وهي تعطي جزءاً من سحرها ولونها ودفئها للمخلوقات الطائرة والسابحة، نهض وبارك يومه بالصلاة والدعاء، ثم ركض على عشب المدينة متخلصاً من كل ما من شأنه أن يعيق الجسد، ويمنحه هذا الترهل الذي بلا داع، فهو مازال في الثلاثين الجميلة، يدبّ نحو الأربعين الحكيمة، صباح مليء بقطر الندى، وبلّ الصدى وتلك الرائحة المميزة للصباح حين يكون متعافياً وقابضاً على إيقاع الحياة، صباح المشي والتأمل والتفكير الطري، وتجربة أن يكون الإنسان خيّراً وفاعلاً ومحسناً.
عاد بعد أن قطف زهر الصباح ومتعة أول الفجر، حاول أن يسرق ضحكة من زوجته المتألقة هذا اليوم، قبّل أولاده المستيقظين على ملل، وببعض الكلل، حاول قبل ذهابه اليومي أن تجمعهم طاولة الإفطار ببعض التحايل والدلع وغنج البنات ورجاءات الأم المتكررة وحزمها غير القوي، ودّع الأولاد، تاركاً لهم فسحة التمتع بإجازتهم الصيفية، وغاب في رحلة الماء التي تحيي العروق الميتة، كان البلل وطعم النظافة الحلو، لم يفكر في المحزن، ولا قرأ جريدة الصباح، ولا استمع لنشرة الأخبار، ولا علوم النشرة الجوية، كان صباحه سهلاً، لم يشأ أن يفتح هاتفه النقّال، ولم يفكر في غير الحب، وفعل الخير والإحسان للآخرين كريح مرسلة، كانت كلماته لزوجته هذا النهار مغلّفة بورق الزنبق وحرارة اللقاءات الأولى. توجه إلى عمله، حيّا فرّاش الوزارة، سأله عن حاله وحال أولاده، ضاحكه عن همّة الرجال، وشكاواه من أوجاع الركب المستمرة، استطاع أن يراقب تلك السعادة المختفية خلف بقية الأسنان المتهالكة، والنشوة الغامرة حين تتسلل إلى جوف البدن، أطربته ضحكة الرجل، ودعاؤه له بالصحة والعافية وطول العمر، دخل مكتبه برئتين مكتملتين، قرر أن يغلق أذنيه عن فواحش العمل وسوء القول، كان ينظر بعين الرضا للأشياء وللناس، كانت تحيات الصباح تسبق خطواته، تحاشى الغضب، ظل يفكر بأشياء كبرى وعظمى، يتفكر بالمعروف والإحسان واليد البيضاء، وقيمة الإنسان حين يقرر أن يكون عظيماً ونبيلاً، ظل لسانه رطباً طوال اليوم. أحصى خير اليوم، وكم لحظات من السعادة عاشها وهو يقدم للناس شيئاً ذا قيمة، طرأت على خاطره كم هي الساعات التي نهدرها من غير فائدة، وكم هي الساعات التي نقتطعها من أعمارنا في الأذى والسوء ومحاربة الآخرين، طرد الفكرة عائداً ومكملاً يومه الذاهب في السعادة، ونبذ الشرور والأماني بالشيء الجميل والوعد الحلو. عاد إلى البيت.. تهنّأ بغداء عائلي، سكن إلى نفسه، وراح في قيلولة وحلم، متمنياً يومه هذا لو أنه يطول مثل دهر!