الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

المدن العتيقة ذاكرة حياة

المدن العتيقة ذاكرة حياة
15 يوليو 2019 02:04

للمدن العتيقة في الذاكرة حنينٌ لا يستكين، ولها شوقٌ وتوقٌ كما هو للأيام التي عبرت بسرعة الوقت فلم نلتفت لها، ولم نحادثها، ولم نروِ عطش الاحتياج إلى أيامها الجميلة، المدن القديمة تعني حكاياتنا، تاريخنا، علاقاتنا، نحنُ بكل تجلياتنا، هيَ أول الهمس لأصواتنا حينما شاء الله أن نولد في وقت كان الطبيب فيه سيدة مباركةً، تمدّ غصون الحب في شجر الحياة فتنبتُ الأغصان، فقط لأن «ايديها مبروكة».
المدن العتيقة تحملُ في جوفها تلك الحكايات التي سرقها الزمن في غفلة منّا، وتركنا في حنين إلينا، إلى بساطتنا، براءة الناس من حولنا، طيبتهم، تعاضدهم، محبتهم، تجمعاتهم التي تظللها السعادة، وتحوطها دعوات الجدّات بالتوفيق والستر والعافية، في تلك المدن تشعر بأنك تحب كل شيء الشوارع الرملية والحارات والفرجان، والصحراء الشاسعة والبحر والنخل، حيث الحياة تتهادى بكل جمالها على بساط من الدفء ينزّ بين جدران تداعت، وأبوابٌ شابت، وقلوب تباعدت، وعيونٌ ترقبُ الأيام بارتباك.
المدن العتيقة، صلاة الفجر، أصوات أمهاتنا، قهوة الصبح، خبز الحياة، تنور الدفء الرابض في زاوية من عريش أو بيتٍ طينيٍ، نساءٌ يجدّلن النهار بحركاتهن، وأصواتهن الذاهبة نحو القلب لتوقظه، ورائحة العنبر والمسك والعود، أغنيات الصبايا، ورفرفات الضوء على وقع نبضٍ يصهل في رحابة، وينثر الفرح.
كلما زرتُ مدينة عتيقة أخذني الحنين إلى مدننا، تاريخنا، تراثنا، رائحة الحب في أثواب جداتنا وأمهاتنا، خطوات أحبابنا نحو الرزق، أجدادنا، آبائنا، رفقة أعمارنا الذين مضت بهم الحياة كلٌ في طريق، في المدن التي يفوح منها عطر الحب نجدُنا، نُحبنا، تتقاطع حكاياتنا لتلتقي عند ناصية الأمل، ورصيف الأمنيات المزدحمات بالأحلام.
المنازل التي أحببنا، فكانت نحنُ بكل بساطتنا وتقلباتنا، وجنوننا، وبراءتنا، تلك التي عشنا بين جدرانها كيف تخلينا عنها، كيف تنازلنا عن أحلامنا الصغيرة التي نبتت فيها، وتركنا حقائب كتبنا عند أبوابها الخشبية الموشّاة بالحب، ومنها عبرنا نحو المستقبل، لماذا تغيب الآن عن بعضنا ممن أخذتهم الدنيا الجديدة فلم يلتفتوا للوراء.
تلك القصائد التي تعلقنا بها، وما زلنا نغنيها كلما باغتنا شوقٌ لمنازلنا القديمة، وتفاصيلنا الصغيرة التي مضت بكل خيراتها وانبعاثاتها الأثيرة، وبنا ذهبت نحوها ثم عادت فألقتنا في جوف الوقت الجاف، الذي ضعنا فيه وصرنا نركض نحو ماذا، أي شيءٍ هذا الذي نريد، ومعه أسقطنا الكثير منّا، ومن ذاكرتنا المزدحمة بالصور القديمة ومنازلنا العتيقة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©