لو صادف وحضرت نقاشاً في الشارع بين رجل شرطة وسائق سيارة ضبط مخالفاً لقانون المرور. سوف تعترض طريقك إلى فهم ما يجري في هذا المكان من العالم أمواج هائلة من الإدانة للغير، وسوف تظن أنك تعبر المحيط. السائق لن يعترف بالخطأ الذي ارتكبه، ولو سيقت له قوانين المرور، وعرف أنه تجاوز القانون، عندما مر في الطريق المخصص لسيارات المرور والإسعاف.
سوف يعدد السائق جملة من الحجج، والأعذار لكي يفلت من العقاب الذي يستحقه. سوف يقول لرجل المرور، إنه فعل ذلك لأن سائقاً آخر تجاوز عليه فجأة، وضايقه، ولم يملك من فرص النجاة من ارتكاب حادث أليم.
سوف يقول إنه لم يجد خلفه أي سيارة أخرى من سيارات المرور، ولذلك فكر بالعبور من هذه الحارة الممنوعة، ثم يعود إلى مساره الصحيح. سوف يحاول أن يبعد عن نفسه الشبهة ولو أدان العالم أجمع، ليتخلص هو من ورطة الخطأ الذي ارتكبه. لو حضرت حواراً بين موظف فاشل ومديره، سوف تسمع كلاماً تشيب له الولدان، وتهتز له الأبدان. إنه كلام الإدانة للآخر.
سوف يتطرق هذا الموظف إلى تفاصيل لا علاقة لها بتقصيره في العمل ويوجه أصبع الاتهام إلى زميل له في العمل، ويتهمه بمضايقته، أو التقصير في إعطائه المعلومات التي تفيد في إتمام عمله. سوف يقول إن زملاءه في العمل غير متعاونين، ويخفون عنه أسراراً، تعرقل وصوله إلى النتائج الإيجابية، لإتمام المسؤولية الملقاة على عاتقه. وحشد من الاتهامات سوف يلقيها في وجه المدير لكي يغشي عينيه ولا يرى الحقيقة. ونحن نعيش اليوم وسط جيوش جرارة من الإدانات التي لا تعد ولا تحصى يقذفها الأشخاص في وجوه الآخرين، لكي يتملصوا من جريرة ما يرتكبونه من أخطاء في حق الآخرين.
الشخص يدين الآخرين لأنه مطوق بعقدة نقص، زرعتها الأنا في طريقه، ولم يعد يعرف أين هي الحقيقة، ولذلك أول ما يفعله لكي ينجو، يقوم بمغادرة الحقيقة، ويسكن في غرفة الأوهام، وقد يبدو هذا الشخص محقاً فيما يعبر عنه من مشاعر الحزن والإحساس بالظلم، ولكن كل هذه النقوش الوهمية، ليست إلا من إبداع كائن متخف تحت ملاءة قديمة، أراد أن يخطف الشخص، ويجعله يعيش على كومة رمل هشة، يتم اكتشاف حقيقته، بجهاز (كشف الكذب) هذا الجهاز هو المصارحة، ووضع الأصبع على مكامن الخداع البصرية التي يعيشها هذا الشخص. فالإنسان لا يدين الآخر إلا إذا حوصر بكمية هائلة من الأكاذيب، التي مع مرور الزمن تصبح بالنسبة له حقائق دامغة. الغبي يصدق عندما يُقال له إنك إنسان ذكي، ويظل يمضغ هذه الكلمة، وعندما يصطدم بامتحان الحياة ويفشل، يرفع أصبع الإدانة إلى الغير، ولا يعترف بغبائه والذي هو مصدر فشله.