- لا أدري.. لِمَ النهر في المدن والقرى الصغيرة يشعرني بسريان الحياة، ودبيب العافية، وديمومة الأشياء، وأن هذه البقعة التي يسلكها بمباركة درويش فانٍ متفانٍ، ستبقى في خلودها السرمدي؟ النهر هو دائماً كالجد الحاني، لا يشعرني بغير ذاك، وأجزم أنه يعرف كل بيوت المكان، باباً.. باباً، وأنه حارس لها حين تختل موازين الطبيعة، وحين يطغى الإنسان، وأنه وحده من يميز الأعداء الداخلين إلى عرين أشباله، فيجرف جثثهم إلى هاوية المكان، محظوظة تلك القرى والمدن التي ولدت على ضفاف الأنهار، لأنها بنيت، وكان أساسها الحب وطمي النهر، وعشق ألوان الحياة.
- المسافرون منذ الستينيات لو يعدون تلك الطائرات الافتراضية التي كانوا على متنها.. «الكَرّيَل»، مرة تطير بجناح، ومرة يشغّلونها بـ«هندل»، وهناك طائرات حمّالات «عَبّرية، كشَار، خشب»، ولا تشتكي، مثل «طيّارة أم أحمد»، طائرة من أيام النضال التحرري، ومنظمة الشبيبة العالمية، كانت فيها المضيفة خريجة الفوج الرابع من الجيش الأحمر ترمي للمسافرين البطانيات الصوفية الرمادية ذات الوبر، وكأننا زملاؤها المظليون، ومرة ركبنا طائرة كانت تحوم في أعالي جبال آسيا الوسطى الصخرية، والمضيفة فيها كانت لها مهمة محددة، هي التجهم، ورمي ما في سلة الفواكه، وأنت ونصيبك أيها المسافر، «غرمول موز، تفاحة فاسدة في جنبها، عنقود عنب مهروس، برتقالة ستظل تتضارب معها علشان تقشرها»، ومرة في صنعاء ركبنا طائرة «انطونوف» روسية الصنع، كانت تحمل دبابة معطلة، طبعاً الطائرات التي تسوق اللحم عبر رومانيا وبلغاريا، كانت من الطائرات التي تناسب ميزانية الطلبة الهاربين صيفاً، «أيييه» يا أخوان.. والله ركبنا طائرات كانت تتوقف على بعض القرى، وترش «فليت»، ومبيدات حشرية، لمكافحة الآفات الزراعية، أما الطائرات الأفريقية، فقد كانت «خايسة، هِسّه، ومن الوهف ما تشاهد»، وبدأ الواحد منا مثل محاربي الطوارق بتلك اللثامة، ومرة ركبنا طائرة إلى ظفار، أعتقد أنها خدمت في الجيش البريطاني إبان الحرب العالمية الأولى، أيام «RAF» لا محالة، وبين مدن أوروبا ركبت مرة طائرة صغيرة أعتقد أنها لم تكن بحاجة إلى طيّار، يكفيها «العبوله» مساعده فقط، ومضيفة كانت في يوم من الأيام تقص تذاكر المواصلات العامة، وأربعة ركاب لا أدري كيف جمّعهم الحظ، على سيمائهم الكذب بأنهم رجال أعمال قد يكونون مهمين.