(لقد محا الحنين، كالعادة، الذكريات السيئة، وضخّم الطيبة).
غابرييل غارسيا ماركيز

***
هذا تماماً ما يفعله الحنين، أكثر المشاعر التي تنسحب على الإنسان بهدوء النبلاء، فيعيد ترتيب الذاكرة بالصور القديمة الممتلئة بألوان السعادة عن أماكن بعيدة أو قلوب راحلة، أو أحوال زائلة، فيطفو الحزن على الروح فيغلبها ويصيبها بالألم.
وللحنين مراتب عديدة، ليس أولها الشوق على الفائت، ولا الحرقة على المفقود آخرها. فبعضهم يضنيه الوجع، فيغدو مفجوعاً بألمه الذي يتحول إلى شفرة للقطع، قطع كل شيء حتى الحياة نفسها!.
وللحنين تلك السلطة، فقط لكونه - كما قال ماركيز - يمحو الذكريات السيئة، ويضخم تلك الطيبة فتصبح مرغوبة بشدة وقابعة بعمق في دواخلنا. كذلك قد تكون هذه الأسباب نفسها هي دواعي علاجه وفك سحره! ولكن كيف؟
إن نسيان المؤلم من الماضي، كما له من فائدة في مساعدتنا على الاستمرار والعيش، عليها أيضاً تتبعات، إذ يبدو الماضي بهياً جميلاً بلا عيوب، وهذا غير صحيح وغير صحي إطلاقاً، ولذا فالعودة إلى ذلك الماضي - كلما أمكن ذلك - عمل قد يعيد فلترة الصور بشكل أفضل.
للعودة إلى المكان القديم والتواصل مع الرفيق البعيد أو إعادة تجربة الأحوال المهجورة أثر كبير في تغيير الصورة وإعادة تصفيتها بعيداً عن تضخيم الطيبة. جربوا العودة لأولئك الذين تحنون إليهم ولتلك الأمكنة التي لازمت ذاكرتكم بشدة ستجدونها مختلفة تماماً عما سكن في وجدانكم، ستجدون أغلبها لا يستحق ذلك الحنين ووجعه القاسي.