بعضهم نتقصى آثارهم، وبعضهم نتحاشاهم. للطيبين رائحة البخور، وطعم الزنجبيل ولبعضهم رائحة كافور، وطعم الملح. هكذا هم الناس، ولا بين بين فيهم، ولا منهم.
الطيبون لهم جاذبية الأماكن المعشبة بالورد، لهم سطوة الأحلام الزاهية. فهم ليسوا ملائكة ولكنهم ليسوا شياطين، هؤلاء الطيبون يخلبون اللب، ويخلدون فينا مثل دماء زكية، هؤلاء الطيبون يسكنون نواحينا، واتجاهاتنا الأربعة، يستولون على مشاعرنا مثل أشجار تتمدد في التراب الندي ، فتثمر، وتزهر، وتتطور نسلاً كونياً يضئ الحنايا، والثنايا، والطوايا، يضئ السماء والأرض، ويمنح البحر بياض الموجة، وسحر المهجة، وجلال الهامة، والقامة.
هؤلاء الطيبون، في غيابهم لوعة، وفي حضورهم لمعة، هؤلاء الطيبون مثل القصيدة، في حضورهم تتفتح أبيات الوجود، وتغني الصحراء أغنية الوضوح وترفع الأطيار نشيد الفرح، وعلى وجنة الصباح ترفرف وريقات اللوز، والتين والزيتون ورمان الجبال، وتبدو القمحة عند شفة الوديان، مثل غزالة برية تهفو للعشب، وشغف البراءة. ولكن بعضهم، يستنسخ مرارة الحنظل، ويتسرب في الحياة كهولة مشوهة، ويطفر بعرق الخراف المرهقة عراكاً، واصطكاكاً بالغضب، وهستيريا ساعات اللظى.
بعضهم تؤذيك حتى ابتسامتهم، تؤلمك كلماتهم المصطنعة، وتزعجك، ظلالهم، وصورهم. بعضهم يخال إليك أنهم كائنات من عالم غير عالمنا، جاءت لتطارد فراشات لعبت بالحقول ونسيت أنها في المكان المحظور.
بعضهم مثل أقلام رصاص كسرت أسنانها، فانبرت تخربش على أوراق العمر، وتخدش السطور، كأنها قطط هائجة.
بعضهم مثل نجوم أطفأت أنوارها لتختبئ من الحقيقة، بعضهم مثل أقمار كسفت بغيمة داكنة، فضلت طريقها إلى الأرض فتاهت تبحث عن أصواتها، ولم تجد غير طائر الغراب، فقلدت، تنعق، لكن النعيق لم يصل إلا إلى أسماعها.
بعضهم كسر المرايا، ولم يجد في الحياة ما يعكس صورته، ألا الطين، لم يجد غير التخمين، والتضمين، لم سوى أنه ليس إلا بقايا أزمنة، كان فيها الجمال يقاس بطيب الخلق، وحسن المعشر.
بعضهم يشعرك بأن الحياة ثقب إبرة، لا يسع لأكثر من خيط بعضهم يريد أن يوهمك، أن الطريق إلى بيتك، لا بد أن يمر عبر دبيب النمل الذي يخرج من أفواه الآخرين.
بعضهم يخرج من بيته وقد حلف بأغلظ الإيمان، بألا يعود إلى موئله إلا وقد كدر حياة الآخرين وحول يومهم إلى موقد يمتلئ بالجمرات. ولكن الطيبين هم الذين يعيدون التوازن للحياة، هم رمانة الميزان التي تعيد ترتيب مشاعر الآخرين، وتلون عيونهم بالأحلام البهية.
الطيبون هم الرقم الأصعب في تأثيثنا بالجمال، وروعة الحلم.