يقول فولتير: (الذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل، هم قادرون على جعلك ترتكب الفظائع)، هذه مقولة فيلسوف اعتبره المحللون رائد حركة التنوير في فرنسا وأوروبا.
اليوم عندما نتابع ما يحدث في إيران، نجد عبقرية هذا الفيلسوف تتجلى وهجاً وتعبيراً عن واقع حال. ما يحدث في إيران أن زمرة من البشر، تقود عشرات الملايين من الشعب الإيراني إلى جحيم الفقر والعدمية، بما تقوم به من هدر وتبذير المليارات من قوت الشعب الإيراني، في حروب عبثية، طائفية، لا طائل منها غير الإسراف في الإسراف، والتطرف في إدخال العالم في دوائر مغلقة وحامية الوطيس، والهدف منها هو إرضاء شهوة مجموعة من الإرهابيين في إثارة نزعات العنصرية، والشوفينية، والعدوانية، وتكبيل المنطقة بسلاسل من حقد وكراهية، وإشغال الناس بأفكار غابت عن ذهن رجل الغاب، وبقيت راسخة معشعشة في عقول من يملكون القدرة على تحمل الصدأ والغبار ونفايات التاريخ، وزئير الضواري في الأماكن الموحشة. شكراً فولتير، لقد سحرتنا بعبقريتك، حين جدلت شعر الحقيقة، بأنامل قريحة، تستطيع أن تصيغ الواقع بما هو استثنائي في
لغتك وحبكتك الإبداعية. شكراً لك، وكأنك استطلعت قمر التاريخ، وأيقنت أن المجانين والمدعين ودعاة الشر، مقيمون في الواقع الإنساني، مهما تبدّلت التضاريس وتغيّرت الأزمنة، فهم يتناسلون مثل الجرذان، ويتكاثرون مثل الأوبئة، في حال غياب العقل، وتأجيل الحكمة فعلها لإشعار آخر. وكم هو العالم بحاجة إلى أكثر من فولتير، كي يدق مطارق وعينا، ويعيد وعي الآخرين إلى رشده. فعندما يصبح قاسم سليماني بطلاً قومياً، تستقبله بعض العواصم العربية بالحل والترحاب، يصبح لزاماً علينا أن نقتنع أن العالم يعاني أزمة فكر، وأنه يعيش مأزق تهتك المخيلة، وأنه يواجه محنة انحلال القيم، واضمحلال المبادئ، وأفول قمر الفطنة، وتلاشي العقلانية، ودخول الإنسانية مرحلة ما بعد الفراغ، وولوجها غابة الانفلات الأخلاقي، وضياع البصيرة في خضم ضيق الأفق، وانحسار الوعي إلى مناطق أشبه بالعدم. شكراً فولتير، لأنك لم تزل تصرخ في الوجدان الإنساني على الرغم من مرور أكثر من خمسمائة عام على رحيلك، ولكنك ما زلت تفرض وجوداً حياً على ضمائرنا، لأنك لم تكن يوماً تعترف بالأموات، وكم رددت قائلاً: (الطريق الأكثر أماناً هو عدم القيام بشيء ضد الضمير، فهذا يجعل الإنسان يعيش بسعادة وبلا خوف من الموت).