معظم الناس قالوا: نعرف ما قلت بالأمس عن أمور السفر والاستعداد له، والتي تخسرنا الكثير، جهداً ووقتاً ومالاً، لكننا لا نأتيها بسبب عدم التنظيم، وقلة التدبر في حياتنا، وغياب التدبير في تفاصيل يومنا، فالعائلة الكريمة المسافرة ما إن تهم بدخول أحد المتاجر الكبرى، والتي جل محلاتها موجودة عندنا، ساعتها تنساها الزوجة المصون، وتنسى ما عندها من «السَرَاريح والشْمَاطيط والخلقان»، وتبدو كأنها مشروع لاجئة، ليس لديها إلا ما يسترها، وكأن أولادها من سكان المخيمات، ليس عليهم إلا ثيابهم المهلهلة، وتبدأ تهيل وتقيس، «هذه حلوه على ميثا، وهذيك لفطيم، وهذا لرشود»، ثم يتم تذكر جيران الصفاء وخلان الوفاء، وتكثر الهدايا، وتعود العائلة الكريمة، وتصرف من جديد على حقائب جديدة، وأوزان زائدة، بالمختصر الرحلة التي يمكن أن تكلفنا مائة ألف، يمكن أن تصل لضعفها، وليتها في شيء ذي فائدة، إنما هي أموال غائبة وفارطة، ولا تعرف أين ذهبت، وفي أشياء يمكن أن نعيش بدونها، ولا ينكر أحد علينا شيئاً إن لم نجلبها، لكننا نشقي أنفسنا، ونركّب عليها أثقالاً وأموالاً.
المشكلة الأدهى حينما لا تستمتع العائلة الكريمة بالرحلة، وتعود وكأنها كانت في سباق ماراثون للتسوق، «عظامها مرضرضة، ومدقدقة، وتشكو، وتئن»، وليتها قضتها في عطلة لصفاء الذهن، وزيادة التعارف والتقارب ومزيد من الألفة بين الأهل، فكل فرد فيها متوحد مع هاتفه، ويرجع المعزب للأسف، وهو يحلف أن أبعد رحلة للعائلة الكريمة في الوقت البعيد، وفي المكان الأبعد، ستكون حتا وإلا المرفأ.
ومن عجب بعض العائلات أن تسافر أسبوعاً، وتسفّر معها شغالاتها الثلاث، وبعضها تمنحه حجوزاته على الدرجة الأولى سيارات ذات رفاهية عالية ومجانية، فيصر أن يحادث فلاناً في السفارة، و«طرشوا لنا سيارة للشنط، وسيارة عائلية»، ولا أعتقد أن مواطناً أرجنتينياً تجرأ وطالب سفارته في النرويج أن ترسل له ولعائلته سيارة ليموزين مع سائق السفارة لتوصله للفندق، فهذه من محدثات الأمور عندنا، لا.. والبعض منهم يرجع زعلاناً، أسفاً، لأن السفير ما استقبلهم أو عزمهم عنده في البيت.
بالمقابل لو نظرنا لعائلة أميركية أو يابانية وهي تخطط لسفرها قبل أشهر، وترتب كل شيء قبل مدة، ولا تترك أمراً بسيطاً للصدفة أو لأي مصاريف تذهب سدى، وفي غير محلها، ولن تجد «بزا» أولادهم يجبرهم على شراء أشياء لا فائدة منها أو يمكن الاستغناء عنها، نحن صريخ «غميلة ورميلة»، يمكن أن يكلفنا طقمين «بربيري» كاملين، يمكن أن يلبس مرة أو تضيعه الشغالة في الغسالة، ويمكن أن يحدث شجار بين المعزب والزوج المصون، هذا يرفض، وهي تهدد ثم تستعطف، ويضيع النهار في خصام، وتحزب عائلي، بسبب لهفة التسوق، والتسري في الأسواق، ويضيع السفر، ولا تتعرف العائلة على فوائده الخمس!