بعض الأفكار مثل غزلان برية، تظل تلاحقها بينما هي ترفس الأرض، مولية الأدبار لا تغريها مغازلتك، ولا تروضها محاولاتك المضنية كي تروغ عنها الخوف. فماذا تفعل وأنت العاشق في الرياض والحياض، تجادل نفسك وتقول: ربما تخفف غزالة ما الوطء، وتحتفي بإطلالتك، وتأتيك طيعة، مهيضة، يانعة مثل ثمرات التين والزيتون، ولكن عندما تكون رمضاء القلب ملتهبة، وأشجار الروح تلف لفيفها، وتختفي خلف فراغ صحراء شاسعة، يصبح أمر اصطياد الغزلان أمراً عصيباً وصعباً، وتصبح أنت كمن يرمي سنارته في التراب كي يصطاد سمكة. تشعر بالتعب والعناء والسغب، تشعر بحالة من الضياع، لأنك اقتعدت دكتك، وجلست تتخيل كيف يمكن لفكرة نيّرة أن تقترب من هذا الرأس، وتمشط خلاياه العصبية، بمفردات أشبه بالموجة على ساحل يغتسل من الزبد ومن نفايات الزمن. والزمن أسرع من الفكرة، إنه يأتيك مثل هبة النسائم الساخنة، يأتيك محملاً ببعض الغبار، ثم يلقي بجسده عند ركبتيك، ويقول: أي هي الفكرة التي يمكن أن تغسل أدران العالم، وتنظف شواطئ الكرة الأرضية من الضجيج، ليهنأ العالم بالسكون، وينعم بالحب.
الكثير من الناس يشعر بالضيق لمجرد سماعه كلمة الحب، ويقشعر بدنه، إلى درجة أنه يرجف جفنيه ممتعضاً، مكتئباً، ساخطاً، وكأن الطير ينهش من جمجمته. فيا ترى ما هي الفكرة الكريمة الحليمة التي يمكن أن تزيل عن وجه العالم سحن الانقباض، وتشذب المشاعر الخشبية، وتلقي بالنشارة في حفر عميقة، بحيث لا يرى لها أثر ولا قبر. أي فكرة هذه منعّمة بالقدرة الفائقة، تستطيع إزالة الشعاب من طريق الناس، كي يصلوا إلى منطقة معشوشبة بالحب، مزدهرة بالعطر، مكتنزة بمشاعر لا يكسوها غبار، ولا يشوبها سعار، أي فكرة هذه لها سحر الجلجلة، تستطيع أن تجلل العالم بتيجان الفرح، وأوسمة الحب، حتى لا يلعننا من سيأتون من بعدنا، ويقولون: هذه قبور من شوهوا وجه الحياة، فابصقوا عليها. أي فكرة خرافية هذه تستطيع أن تغير قاموس لغة التشويه، والتسويف، والتحريف، والتجريف، والتخريف، والتخويف، والتجديف، أي فكرة هذه التي تأخرت كثيراً، ولم يبق من الزمن إلا دقائق كما أظن، وما زلت أنتظر وأنتظر، ولعل وعسى يصحو العالم على فكرة تبدو مثل سحابة ممطرة ينبت بعدها عشب الحب، وتترعرع أشجاره، وتزهو غزلانه بربيع غير الربيع العربي.