الحياة ذات مدارات جميلة في أسرارها، ومسارها الإنساني المتزن، وفي وقارها الذي ينبغي أن يكون، ومن جماليتها المحضة، حكاياتها النادرة الشفافة المخملية ودهشتها المتقنة، يقلّبها الزمن بشكل عاصف، أو غامض أحياناً، ويجعلها تعزف بهدوء في أحيان أخرى، خصوصاً عند التأمل في جماليات الطبيعة، ابتغاء سلام داخلي يقي الإنسان الشقاء، لكن هذا الإنسان قد يختار مدارات مفبركة، وذات شوائب وقرارات متصلبة تنطوي على نوع من التربص بالآخر.
الأمم الحق هي التي تنشد الشموخ، لا النرجسية العدوانية الهزيلة التي تدفها إليها عقول باهتة غير قادرة على صناعة التاريخ. أصحاب تلك العقول هم الذين خلّفوا الدمار وراءهم، ناسجين وهم التوسع في زمن حضاري يرفض الشعارات الفارغة، التي تطلقها أفواه تعودت الغدر.
بنت البشرية وجودها واستمرارها بحضارات متدفقة بالفكر والعمل، فانعتقت حياة أجيال وأجيال من الجهل، وراحت تبني مستقبلها المشرق بجوهر المعاني الإنسانية الخلاّقة، لكن العبث بالقيم الإنسانية، هي صنيعة بشرية، تولّدها نزعة الغطرسة والدجل السياسي، وكأن عبقرية الابتكار قد صيغت بالشقاء والفتن. ومع ذلك فإننا لا ينبغي أن نحمّل مسؤولية الغطرسة لتراكمات الزمن، أو للموروثات الجينية أو غيرها، فالإنسان ولد حراً، وبحريته هذه هو قادر على تحديد اختياراته الإيجابية أو السلبية.
في غابر الزمن كان الإنسان يحارب من أجل الرزق، ويرتحل سعياً وراء العشب وموارد الطبيعة، ويرضى بالقليل، لكنه كان قادراً على ألاّ ينصهر في السراب، بل كان قادراً على مقاومة الصعاب،وتحقيق الاكتفاء والتكافؤ، فما الذي جرى حتى تنقلب الصورة؟
فلننظر مثلاً إلى تلك العمائم التي تبث الخوف وتزعزع أمن المحيط، وترفع راية الهيمنة والقوة، وتنكّس راية العدالة، وتنفث مشاعر العصبية، وتبجل نفسها، وتمقت الآخر، وتصادم الكون، وتزمجر في البحر، وتجعل من الجنون معياراً للقول والعمل.. فمن أين يجيء كل هذا الشر؟
كلما أثقلت العمائم السوداء الرؤوس، كلما هبت رياح الحقد، واشتعلت نيران الكراهية.
هذه الاتجاهات المقيتة هي التي تغرق الأرض والفضاءات بعوامل الدمار، وتفتح المستقبل على مصير متفجر. ليس من الصعب علينا أن نبحث عن إجابة لسؤال يقول: لماذا اختار هؤلاء هذا الدرب الصعب، الخطر، المدمر، ولكن سيكون من الصعب أن نتحرى أسباب عدم اختيار دعاة الشر والفتنة، لسلوك طريق الفرح، والخير، والتعاون، والبناء.
فلنرجع إلى جوهر الحياة، إلى نقائها الأول، إلى مساراتها الخلاّقة النبيلة المتجددة.. عند ذلك فقط، نعرف أن الخارجين على الفطرة الإنسانية، هم خارجون في الأصل والأساس على معنى الخلق وأحقيته وحقيقته، باعتباره منحة إلهية.