أعرف أنك عندما تتوارين خلف الحجاب، تكونين أكثر احتراقاً، وأكثر اشتياقاً. وأعرف أنك في هذه الحالة، تجدلين ظفائر الحب، بأنامل أرق من الماء الرقراق. وأنك تنوين حرقي في إبريقك الموقود في نارك، وأنك أنثى من سلالة حضارة قديمة، ومن تواريخ خرافية، تسف الرمل نخوة، وتشرب الدم المراق.
أعرف أنك لا تعترفين بنظريات الحب، ولا مؤسسات الأشواق، أعرف أنك لا تقرأين القصائد ولا تفهمين قصص العشاق، أعرف أنك جملة غامضة في قواميس الأحداق، وأنك جدلية بلا جدل، وأنك في الجنون نفرة الحجيج، وصبوة بلا أخلاق.
أعرف كل هذا وأعرف أني عندما عشقت لم أحدد طريقاً، ولا أنساق. أعرف أني في الجنون أتجاوز حدك وحدود الآفاق، وأعرف أني في الهوى، قصائد لا تعترف بالقوافي، ولا بتاريخ الأوزان ولا بالعناق، أعرف أنني في حلبات الحب، دائماً ما أفوز في السباق، فالخيل خيلي، والصبوة جذوة من ذاك الرهاق، أعرف أني لم أهزم ولا مرة واحدة، ولم أصب يوماً بنوبة شقاق، فكل ما أذكره أنك قلت ذات نخوة، أنك مصابة بإرهاق، وأنك عندما تسبحين في بحر الصبابة تغشيك غاشية الجفول فتطلبين من عشاقك الانعتاق، وهذا سر الجاذبية فيك، وهذا ما يستدعي مني إلا أطلب الفراق، وأن أحثو تحت ركبتيك، وأطوقك كأسورين في معصميك، وأن أجمع صهيل التاريخ، وخيول الحروب الأزلية، وأمحو التعاويذ والحروز في مقلتيك، وأمضي في تجاويفك موجة مخملية، وأهز جذع النخلة، وأجني من رطبك ما تركته فيك الأنساب، وأنسال المرأة البدائية، وأمضي في نحتك، ونقش القبلات على غيمة سماوية، واكتب أسمي على سبورة، من لحم الأبدية، وأسكب حبر الأبجدية، على قرطاس النوايا والأصول الأمدية، وأخيط قماشة الحرير وشاحاً يطوق عنقك، ويحلم بأيام مديدة، لؤلؤية، وأذهب في الأعناق كزعنفة جدلية، وأستدعي جرائم التاريخ، والهزائم والانتكاسات والنصر والظفر، وأقف على ربوة الذروة القصوى، وأصرخ، ها أنا في نهاية الطريق، ها أنا في وسط الحريق، ها أنا أسكب شاي الإبريق، في فناجين الحرقة، ولا أستفيق، لأنك في تلك اللحظة كشفت الغطاء، وبرزت مثل جوهرة محارة من زمن الإغريق.