هذه المرأة من صلب حضارات قديمة، هذه المرأة دامية بجروح أليمة، هذه المرأة مثل فضاءات معتمة تغشيها غمامة وأجنحة من لغو الكلمات، ومن أنساب وأصحاب الحكايات الأثيمة.
قومي يا سيدة الوشوشات، والثرثرات، قومي واغسلي يديك ووجهك من غبار السنوات، ومن حروب القبائل، وهزائم وحطام الأيام وبهتان عنترة، وجنون المتنبي، وأشجان الغافيات عند مصادفات الحب، ومصادفات الكره، ومصادفات الشعر ومصادفات النثر.
قومي سيدتي وافتحي عينيك السوداوين، وتهجّي ما جادت به الأبجدية، منذ زمان الأزلية وحتى الأبدية.
قومي واستدعي طفولة الحب، استدعي العفوية، وتحرري من نقش الكلمات اللولبية، واحتمالات ما بعد ما تسديه الخرافات الأولية.
قومي ففي هذا النهار حلمت أنك ترتدين الساري الهندي، وتتعاطين تجليات غاندي، وتقرأين (الغيتا) بطلاقة، وتمارسين اليوغا على الطريقة البوذية، وتتكلمين لغة سحرية، ما خطرت على بال فلسفة (الزّن)، ولا حتى أوشو في مساجلاته العرفانية.
قومي ففي هذا النهار رأيتك أرشق من أعظم امرأة بدوية، وتعبرين جبال التألق في حضور مُلفت، لم أعثر عليه في قاموس الظباء، ولا حتى في عرف الفراشات، ولا في نسق الأزهار البرية.
قومي ودعينا نشرب الشاي المسائي بنخوة النجباء، وصبوة العشاق، ونشوة الأباريق الزمزمية، قومي فهذا المساء مختلف، لأن وجهك في المرآة يبدو مثل رشفة الشاي، ومثل رغوة الموجة على صفحة الرمال الخليجية، ولأن في صوتك، نبرة تاريخ، يذكرني بصهيل الخيول العربية، ولأن في بحّتك رخيم الأوتار، ساعة تناغم الطير مع أحلامنا الوردية، قومي واسجدي واركعي، وقولي سبحان الله، قومي فالمساء يخونك، عندما تكوني امرأة عصيّة، وتكوني في الهوى، ريحاً غبراء عتيّة، وتكوني في الحب لغة مغلّفة، مقعّرة، بربرية، وتكوني مثل قصيدة من أحافير الأزمنة الصنمية.
قومي سيدتي، وقومي، لا تنامي، فالحب مثل الطفولة، تشوقه خلابة الأضواء، ونحن في النهار غصنان خضراوان، والنسمة يطربها دعابة الاخضرار.
قومي ولا تنامي، وامنحيني التأويل مفصّلاً، فأنا لا أحب الاختصار، أنا كالنار في اشتعالي، تذوب عتمة الليل، ويسفر الجسد، وتفيض الأنهار والأشعار.