ما أصعب الكتابة في الموت!.. ما أقسى لحظات الرحيل!.. تلك التي يصبح فيها ما اعتدته غير ممكن ولا مباح.. تلك التي لن يصبح من حقك أن تتقاسم الصباح ولا المساء مع من كانت تحلو به الأشياء.
كنت أظن لبعض الوقت أن فكرة المواطن والمقيم قد تحصنني من فخ المحبة.. أن أعتاد من يأتي ومن يذهب وألا يسكن أحد قلبي بقدر التمكن لأنه ذات يوم سيرحل.. لكن أكرم يوسف كان استثناء.. كان استثناء في المهنة، وفي حدود الإنسانية، وفي قدرته على أن يحتلك دفعة واحدة فتخشى أن يتركك وتنسى أنه عابر.
أمس الأول.. في يوم العيد رحل أكرم يوسف.. تماماً كما ينطفئ المصباح.. فجأة.. رحيل زلزل القلوب التي كان كثيراً عليها أن أكرم لن يعود ثانية.
الطيبون يرحلون مبكراً وأجمل زهور الحديقة ينتقى أولاً، وقد زاملت الراحل الكريم سنوات عدة كان خلالها نموذجاً وقدوة وشيئاً نادراً لا يصادفك كثيراً شيد في قلوب كل من عرفوه شواهد محبة، وترك برحيله دمعات لن تنقطع سريعاً.
لله الأمر من قبل ومن بعد
لم أتصور هذا الشكل من أشكال التواصل بيننا.. اعتدت أن يقرأ لي.. أن يصوب.. أن يهديني عنواناً أقفز بمجرد سماعه.. أن يجبرني على إعادة الكتابة من جديد.. كان ترمومتر المهنة وخاتم الجودة.. من يخبرني الآن يا أكرم كيف حال ما أكتب.. كنت اختزالاً لكل الناس.. كان نقاؤك رهان الباحثين عن صك الإجادة، لكن أحداً لم يكن يناله في وجودك أنت.. كان قلماً أخرجناه من حسابات المقارنة بعد أن تأكدنا أن أحداً لن يطاوله فاخترناه حكماً بحب.. وكان أهلاً لكل الحب.
ما كل هذا الحب الذي نثرته هنا في الأرجاء «بو بلال».. كيف السبيل لاحتمال أنك حين غادرتنا كانت المرة الأخيرة.. كيف السبيل لاحتمال مقعدك الشاغر وقلمك المنتظر وأوراقك المشتاقة أيها النقي الذي لم نر منه إلا كل خير؟.
لن نسلم من امتحان القدر حتى نصبح نحن امتحاناً، لكن أقصى ما نرجوه أن نصبح حين نرحل قد تركنا كل تلك المودة في القلوب.. أن نترك الأعمال دعوات في القلوب تنطق بها الألسنة.. رحل أكرم يوسف في العيد وأحسبه الآن في عيد، جزاء ما أخلص وما قدم وما أوفى!.. اللهم إنا نشهدك أنه كان نقياً.. اللهم ارحمه وتجاوز عن زلاته، وأدخله الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

كلمة أخيرة:
«أشوفكم على خير».. كانت كلمته الأخيرة.. ليتنا حين نراك ثانية نكون على خير.