عيناك طفلتان تلعبان في المرايا، وثغرك ملتهب فاقع كالشظايا، والوجنتان قطنتان مبللتان بالهوى، وبالسجايا، منذ ثلاثين عاماً وأنا أطارد عصفورك ولكنه يأبى أن يكون في الأقفاص، حتى وإن رصعت أقفاصه بأزهى النوايا.
يا حبيبتي، من منا لم تعذبه العيون، ومن منا لم تقتله الغايات، والغواية، فكل شيء فيك غواية، وكل ما فيك وشاية، ومهما بذلت من تمنع، فإن الداخل فيك تخرجه الحكاية، وأصل الحكاية أنني مفتون، وأنت فتنة وكناية، فهذا المخبأ في مقلتيك تعصف الريح فيه، وأعصف أنا، وتعصفين، وأقصف، وتقصفين وأنسف وتنسفين، وفي النهاية تبدو الحكاية، لعبة طفولية، في زقاق، تاريخه من لعب الأطفال، وأفكاره مزحة خرافية، ولكننا ما زلنا نلعب، وتقولين كف فأقول أنا لم أتعب، تقولين كف، فأقول مادام الماء يراعاً، فلنلعب، ونكتب للتاريخ فقط أننا كنّا طفلين والحياة ملعب، وكنا شفتين، والحياة منكب، وكنا زعنفتين، والحياة بحر ومذهب، وكنا غيمتين والحياة سماء بلا نار ولا حطب، وكنا نجمتين والحياة غابة فيها الغزلان، تغتصب الأسود، وتمضي كالشهب، كنّا قافلتين، خاويتين من الأحمال والأهوال وأنساق الغضب، كنّا جملتين فيهما الفاعل والمفعول، يسرقان البلاغة من معجم طبقي مضطرب، كنّا حرفين تائهين، في سرمد الليل وفي غضون السغب، كنّا قتيلين والقاتل ضمير مستتر، تقديره ذاك الجنون المضطرب، كنّا جزيرتين طيورها بلا أجنحة، ولا ريش، ولا زغب، كنّا نخلتين، عناقيدها من فراغات المراحل ومن النكب، كنّا عشبتين، والحياة فراشة تلتهم الأعشاب، والأنخاب والأحباب وحتى الرمل والحجر، كنّا مسافتين، والحياة خطوة أخيرة في رحلتنا وقدر، كنّا نقطتين في ثنايا الجملة الاسمية، والحياة نقطة آخر السطر.
كنا مملكتين أسطوريتين، والحياة جيش مغولي يفتك بالمعابد، والعابدين، ويسرق ويهرق، ويمرق، ويهرطق، ويمزق، كنّا جدولين في الصحراء، والحياة كثيب هائل يمضغ الماء، ويسرب غباره في الناحيتين، كنّا غصنين يافعين، والحياة ريح صرصر لا تعنيها الأغصان، ولا الأشجان ولا أشواق الحالمين. كنا نافلتين، والحياة فرض تجب ما قبلها، وما بعدها في الحالتين.