أينما تكونين فأنت حاضرة، أنت في مركز الدائرة. أينما تكونين فأنت في المحيط، أنت في قلب الحياة. في هذه اللحظة، وأنا في الطريق إلى التفكير فيك، تكونين في لُب الفكرة، تكونين في الثمرة، بين الأغصان، وعلى قمة الشجرة. أشعر أنني كلما ابتعدت تقتربين، كلما ذهبت فأنت تأتين، أنت في خضم الذاكرة، تمرين بين السطور، أنت تعبرين النهر، وتأتين كي تكوني في الشهيق، وفي الزفير تكونين في الوعي فكرة تبني عشها، وتنسج خيوط الحرير على قماشة القلب، وترسم الصورة واضحة مثل الروح في الجسد، حية مثل الموجة على الساحل، نابضة مثل الأجنحة، رابضة في الوجود مثل الشمس. أنت حاضرة رغم بلوغ العمر مبلغاً يُحد بينه والفراسة، حتى تبدو محدثات البوح كياسه، وها أنت كائنة في وجودي حتى التعاسة، ها أنت راسخة في حياتي مثل القداسة، ها أنت تجوسين في عمري مثل أحلام الطفولة، مثل حبة رمل بين الجفنين، مثل اللجلجة بين الشفتين، مثل الجلجلة بين موجتين، ها أنت في الشعر، في النثر، في لغة البوح تسقطين كالحنين، وتمتد الأشواق فيك من الأخمص حتى الذوائب، تمور بك الدنيا ولا يهتز لك حاجب، تهتز الأرض من تحتك ومن فوقك، وأنت هكذا كجزيرة نائية، ككلمة نافرة، كجملة في الرواية مستنفرة، تخصبين الأيام بسفور الجملة المبللة برضاب أشبه بالخضاب، لا تكتفي عيناك من سرد الخطاب، لا تكف مقلتاك من بث النوايا والجوى، مثل قتامة الضباب. أينما تكونين، فأنت في خاصرة الوقت شوكة، أنت في مقلة الطير رجفة، أنت في محجر العين حجر، أنت في الطرف حرف من حروف العلة، أنت في السكون كلف، أنت في الحنون تلف، أنت في المجون أسف، وأنت، أنت صبوة الأمنيات ساعة الشغف، وأنت، أنت نخوة الفكرة لحظة الدنف، وأنت، أنت الجملة المعرفة في لغات الصمت، وأنت النفرة، وأنت الشفرة، وأنت الحبر السري على صفحة القلب المعنى، وأنت الشظف، أنت تشظي الغيمة في السماوات العلا، وأنت الثمالة، وأنت الجزالة، وأنت النظرة الأشف. أنت في عرف الأخلاق والأنساق، أنت النسق المؤتلف، أنت العاشقة في دورة العشق المختلف.