مهما كان صوت الأنا قوياً، ومرتفعاً، يبقى الحب هو أقوى قوة في العالم. حتى الكراهية وإن بلغت مبلغ الجرح العميق، في خاصرة العالم، يطل للحب جيشه الجرار، الذي يهزم أقوى قوة في هذا الكون، لأن الحب هو البداية في تشكيل النسيج الإنساني، ولأنه قادم من الفطرة، وإذا كانت الكراهية صنيعة أنا محتقنة فإن الحي وليد تربة، على أديمها ترعرعت، سنابل العلاقة الإنسانية بين البشر.
الرجل قد يخفي حبه عن المرأة، بناء على معطيات اجتماعية، تمنح الذكورة واجب الحسم، ولجم العواطف، على اعتبار أن الحب ليس للرجال، كما تدعي قيم اجتماعية ما، ولكن ما إن يتم نبش ما تحت جلد الحقيقة، يبرز الحب مثل نبتة تاريخية، نستها الطبيعة، لأسباب خافية على العقل، نرى الرجل الجاهم، يخفق مثل طائر هاجت به لواعج الفقدان، لمجرد إحساسه بخسارة ما لطرف محبوب.
نرى كذلك المرأة، في حين العود الأبدي، إلى قواميس العيب، تتعجل الخروج من نفق الإخفاق في تحقيق ما ينبض به القلب، وتنقلب تلك الخروقات العاطفية إلى مداهمة، تسفر عن لوعة وإحساس بالحرمان، وينبري التمنع، إلى مباغته شعورية تند عن رغبة دفينة في التعبير عن زخات مطرية، من مشاعر اللهفة، لطرف محب.
هكذا هو الحب، يختبئ، ولا يختفي، يتوارى، ولا يزول، يتدارى، ولا يأفل، إنه، كالشمس مهما اشتدت غيوم القيم المانعة، فإنها تبرز من بين الشراشف، والسدول، إنها تقول بكل بوح صريح، أنا هنا، وهكذا الحب، لا يصمت أبداً، حتى في أقصى حالات القمع والخذلان، إنه، مكين، أمين، حصين، رزين، لا يهتز للعواصف، ولا يرتج للنوايا، ولا يكتنز إلا بمزيد من شلالات العطاء، ويسرد قصته عبر جوانح، وجوارح، تكون هي الهزات ما تحت الأرض، تنبئ عن ميلاد جديد، لمخلوق، لا يشبه إلا نفسه، إسمه الحب.
وعندما ينتشر الحب، ويفرد أجنحة التحليق نحو فضاء آخر، يصبح الجو مهيأ لنزول المطر، حيث تعشب الأرض، ويخضر الشجر، وتستعد الأنهار، للاحتفال والسير زرافات نحو الفرح الوجودي، وتنتشي أبدان البحيرات، لمجرد سطوع بياض الماء عند شفاه الجداول الراقصة، على أنغام الحب.
هكذا يبدو الحب في الوجود، وهكذا تغني النجمات في السماء، عندما يخطر ببال الوجود، أن هناك رفرفة على أطراف الكون، وهناك هفهفة عند شغاف السماء، وهناك قلب يجدل ضفائر مرحلة ما بعد السكون، حيث للحب ضجيجه اللذيذ، ولنبضات الأفئدة شدوها السامي، وللعيون العاشقة، بريقها الأنيق.