يحضر معرض أبوظبي الدولي للكتاب بهذا الألق الثقافي لكي يكرّس وجوده ودوره، بعد سنوات طويلة رسم خلالها خريطة ثقافية متنوعة، زاخرة بالصور والتصورات والإبداعات، شاركت في صنعها أسماء وأقلام كثيرة، كان معرض الكتاب الحاضن لإصداراتها الأولى.
لا أنسى أول إصدار لي بعنوان «مندلين» وهي قصص قصيرة من إصدارات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كان ذلك عام 1995، بداية مبهجة لا توصف، وحين سئلت عن لغة المجموعة الرصينة، قلت: الإصدار الأول هو جواز مرور وبهذه الانطلاقة توالت إصداراتي عبر بوابات ثقافية مختلفة.
معرض كتاب هو ذاكرة تختزل الكثير من المناسبات والإرهاصات. ولا ننسى تلك الخيمة الثقافية، حينما كان المعرض ينعقد بقلب أبوظبي، النابض ولم تكن فكرة الخيمة أقل من سائر الأفكار التي احتضنت جمعاً من الأدباء والشعراء والكتّاب، حيث تبلورت علاقات محورية في رحاب المعرض.
وخلال معرض الكتاب الحالي التقيت أصدقاء تندر اللقاءات معهم خارج المعرض، حيث كانت مناسبة لاستعادات جميلة والإفصاح عن آمال جليلة. من هؤلاء الصديق خلفان مصبح، وهو ذاكرة المجمّع، والذي يحفل سجله بالعديد من التجليات الحضارية والترجمات والإصدارات الصوتية والورقية، وقد شاركنا معاً في بعض تلك الومضات الثقافية.
هذا مثال، من بين حشد من الأمثلة، يؤكد أن معرض أبوظبي للكتاب، هو بوتقة، وملتقى، وجسر ثقافي، وساحة للصداقة والتسامح والإبداع، وقبل ذلك وبعد هو مصهر للأفكار والطاقات. وبهذا المعنى، فإن المعرض يجسّد استراتيجية الدولة، وتوجه المجتمع، ومنهجية كل فرد، في أن يكون الحيز الثقافي العام معبراً عن الانفتاح والتنوير والتطور والحوار.
لقد حظيت خلال أيام المعرض، بالعديد من الإصدارات التي قدمها لي أصحابها، منها كتاب «المتحدثون بالكتابة»، لخولة السويدي، وهو عبارة عن تأملات فلسفية، خصوصاً وأن المؤلفة مبدعة تتميز بامتلاكها وجهة نظر في الأشياء والبشر والحوادث، وكتابها هو تعريف مهم بنسيج الكتابة وتجسيد الأفكار من خلال زمن الكتابة، عن طريق الانعتاق بالعودة إلى داخل النفس البشرية.
كذلك تلقيت كتاب «مقابسات رمضان» لناصر الظاهري الذي يفتح شهية القراءة ويرتقي بالذائقة إلى أفق مفتوح، فعلى مر عقود وناصر ينسج حروفه وفكره من معين متوهج، وهو من القلائل الذين يمتلكون صفة المثقف الحقيقي.
نخرج من معرض أبوظبي الدولي للكتاب بحصيلة ثرية، قوامها الصداقات المتجددة، وتلك الجديدة، والأفكار النيّرة، والمعارف الواسعة التي تحتضنها جميعاً دفتا كتاب، يرتاح في حضن أرحب هو حضن أبوظبي.