يبدو أن مأزق القراءة، ليس في عدم القراءة، وإنما يقع في حوض ماذا نقرأ؟ نحن في عالم تختلط فيه المياه، بحيث لم يعد بالإمكان معرفة، الماء العذب من الماء الأجاج.
هذا الملمح التاريخي الغريب، المريب، أوقع العالم في مأزق اللا أعرف على الرغم من المظاهر التي يبدو عليها الناس، أنهم يعومون في بحر من المعرفة والدليل على هذا الفراغ المعرفي، هو هذا التصادم بين العربات في شارع الحياة ما نتج عنه تمزق جثث الواقع، والحرائق الثقافية المنتشرة في كل مكان من الدنيا.
لو فهم الناس ماذا يقرأون، ولماذا يقرأون، لما حدث كل هذا الضجيج الذي يسكن الأفكار المختلفة، ولما سالت الدماء لمجرد، التقاطع عند طريق منحنية، تؤدي إلى اختلاف فكرة، عن فكرة أخرى.
عالم اليوم تصور أنه تشبع من القراءة حتى أصيب بالتخمة، ولكنه للأسف لم يعِ أن ما يقرأه، لا يمت إلى عفويته المنشودة، أنه قرأ ما يفتح له فجوة، تبعده عن الآخر، ليثبت أنه المختلف، وبسبب هذه النزعة، فإنه عندما يختلف، يشحذ همته، كي يخفي الآخر، لا لأجل أن يتكامل معه، ومن ثم يتناغمان، في الحياة، ليصبحا مثل أغصان الشجرة الواحدة، تخبئ بين أضلعها أجنة الطيور، الخارجة من بيضة الفرح.
مأزق القراءة تتسع حدقته، عندما يبدو الإنسان يذهب إلى الكتاب، كالأعمى، المتعثر في الطريق الوعرة، فلا يصل مهما بدأ مغامراً، لان ما بين القراءة العمياء، والوعي بالقراءة، فجوة تتسع قارات العالم، نحن بحاجة إلى الوعي بالقراءة، حتى لا تساق جيادنا إلى المنعطف الخطير، فنخسر نتيجة السباق في الحياة، ونصبح في ذيل القائمة البشرية، ولا ننتج إلا نفايات فكرية، شبيهة بما يحدث في حالة التخلص من الفضلات، ورميها في الطريق، فيتعثر بها كل من يمر من هناك.
نحن بحاجة إلى قراءة، لا تعمينا عن الحقيقة، بل قراءة تدلنا أين يكمن مفتاح السراج المنيّر.
نحن نحتاج إلى قدرة فائقة على تفادي الوقوع في نفق الحفظ والتكرار، والدخول في ما بين السطور، فهُناك يكمن وعي الجملة، المفيدة، وهناك ندرك أننا في المضارع، وليس الماضي.
نحن بحاجة إلى قراءة، تخرجنا من قشرة الوعي، إلى أتونه، فهناك يتوقف مدى ما لدينا من قدرات على التحول، من الذات المغلقة، إلى ذات تنفتح على الآخر من دون رجيف، أو وجيف.