دائماً ما نسند نجاحاتنا إلى أنفسنا، وحين الفشل نلتفت إلى الحظ، ونقول ها هو الجدار الذي منعنا من المرور.
عندما تطمس الحقائق خلف أغشية سميكة من الوهم، يبرز الحظ كجبل شاهق، يتحدى إمكانيتنا، فنحن الذين نصنع أوهامنا، بينما الحقيقة، هي من صنع الحياة.
الإنسان ينزع إلى الوهم لأنه الطريق السهلة، التي تعيد لنا توازننا، وتخفف من عقد النقص لدينا.
الوهم بما لديه من قدرات فائقة في وضع حد للقلق، فإنه يقودنا إلى قناعات أشبه بالملاءة الثقيلة التي تمنع بعض الغبار من التسرب إلى عيوننا، فلا نرى غير الملاءة، بينما يظل الغبار كما هو عالق في ملاءتنا.
كلما كبر حجم الحظ أمامنا كلما استيقظت أوهامنا، وترعرعت في بيداء أفكارنا، وأصبحنا في مأمن من القلق، لكنه الأمان الوهمي، الذي يحول بيننا، وبين ما نتمتع به من قدرات حقيقية.
الذين يذهبون إلى الحياة بوهم الحظ، هم أناس تسربلوا بحيل دفاعية، نفسية، هي مثل جيش سلاحه من جريد النخل، يواجه جيشاً، فتاكاً.
لا يستطيع الإنسان أن يحقق أمنياته، بالاتكاء على كلمة حظ، ولا يمكنه الخروج من صهد الفشل، والخنوع، لنتائج ما تحت الصفر.
شعوب تنهض باقتفاء حقائق الأشياء، وأخرى تنام في الحفر السوداء، لأنها تحفر قبرها بأيديها، وهي تخب خلف وهم الحظ.
الحظ حيلة قديمة، تأبط بها الإنسان منذ العصور الغابرة، ويشترك فيها المتدين، وغير المتدين كلاهما ينزع إلى أوكار الحظ، لأنه الوسيلة الأسهل، لردع مخالب التأنيب، ساعة الفشل، ولأنه القدرة الفائقة في تحقيق الطمأنينة، حتى وإن كانت مجرد فقاعة، أو فكرة زائفة، ولكن بالنسبة للمتوهمين، ليس بالإمكان، أحسن مما كان.
وهذه النظرية لا تختص بها ثقافة من دون أخرى، بل هي راسخة في العقل البشري، في معظم ثقافات العالم، لأن الإنسان هو الإنسان، والإنسان أكبر مراوغ، ومداهن، ومساوم، وهو الوحيد بين المخلوقات، يتميز بمخيلة أوسع من تضاريس الأرض يستطيع من خلالها قلب الحقائق، وتحويلها إلى لعبة أطفال، يحركها كيف يشاء.
الإنسان كائن خيالي، وكذلك كائن وهمي، الأمر الذي يجعله، يمتطي خَيل الحظ ويذهب به إلى أقصى حدود الخيال، ولا يتعب.
كل الكائنات، بعد مسيرة يومية تهجع إلى مخادعها، وتنام، بينما الإنسان حتى في مخدعه تظل مخيلته، صاحية تلف جهات العالم، من غير عناء، أو تعب.