ها هو الدهرُ الذي كنت تهجو ظُلمهُ، عاد ليُبهج ليلك الموحش، ويسرد بعضاً من الضوء في ضمور لياليك. وها هي غمامة العتمة التي ظننتها لا تنقشع، تتلاشى من جراء ذاتها وهي تجرُّ ذيلها الهزيل الطويل. قل للصبحِ أهلاً، واصعد حصان الأيام كي تسبق انتظارك، وكي ينتمي نسلُ معناك إلى سلالم الفاتحين. لستَ سليل وأدٍ، ولكن الفكرة النكرة أولى بأن تُدفن، وأولى بالفكرة الحرّة أن تُنبشَ، وأن تعاد لها الحياةُ وهي في الرمق الأخير. هكذا بورقة وقلم يمكن أن تفلق النبعَ من جديد وتسيّر الأنهار إلى مبتغاها. وربما لو نطقت في سرّك بكلمة: الحب. تكون قد فتحت نافذة البصيرة، وأطلقت عصافير الخيال من شرفاتها.
أنت حرٌ من فكرة الزمن. وكي تدرك ذلك، عليك أن تلتفت إلى الداخل، إلى العمق الذي ينام فيه سرّك وسر الكون كله. اذهب إلى الصفو حتى لو كان عند حدود الهاوية، واجلس هناك متأملاً في هالة الفراغ الذي يحيطُ بك. وانظر إلى جسدك بأنه زائل لا محالة، وأنك مجرد وعي يرى ويراقب ويكتشف، لكنه غير مرتبط بما يزول. في تلك اللمحة المتكشّفة، يصبح الزمن مجرد لحظة ينام داخلها الأبد كله. ويصبحُ المكان قيدك الذي تتجاوزه إذا انتميت إلى وعيك وليس إلى ما سواه.
لن تجد الحرية في الجري وراء وهم التفوّق، ولن تفتح بابها إذا انتصرت على أعداء يومك. بل عليك أن تروض أولاً ميزان ذاتك حتى يتوازى النقيضان فيكَ وتزول الفروق بينهما. وأن تنظر إلى الأبيض والأسود باعتبارهما شرطين للكمال. وأن تفرح لأن الرجل والمرأة، والقمر والشمس، والحياة والموت، مجرد مظاهر مختلفة للشيء الواحد الذي لو عرفته، زالت الغمامة من يقين قلبك، وأشرقت روحك بفيض الطمأنينة والسلام والصفح.
أنت حرٌ أيضاً من التعلّق بذاتك. عندما تتجرد من وهم الحكم على الأشياء بناء على مظاهرها الخارجية، أو بناء على علاقتها بك أو علاقتك بها. تكون قد ارتفعت على فكرة أنك محدود في المكان والزمان. وربما مددت الخطوة الصحيحة في الاتجاه نحو فهم المطلق والانتماء إليه. هكذا، بالنظر عميقاً في طبيعة الأشكال والمظاهر الخادعة وكشفها، يمكن أن تتحرر من الوهم الذي يؤطرُ رؤاك ويجعلك تتخبطُ يميناً وشمالاً، بينما الطريق واضح وواسع ومفتوح أمام عينيك.